منظومة الـ 99%

رامي العاشق

السبت 2014/07/05

 السؤال الأكثر جدليّة في طفولتي، كان عن ذاك الـ"1%". من هو؟ وأين يعيش؟ ما هو مصيره؟ ما الذي جعله مختلفًا؟

في كل نتيجة انتخابات عربية، كنت أسأل أمّي وأستجدي إجابات واضحة منها، هي التي كانت تبذل جهداً في العثور على ما تجيب به بعد أن تهمهم: "الله لا يوفقك شكلك رح تروّحنا!" وقتها، كنتُ أنظر إلى والدي نظرة خبث، رافعاً حاجبي الأيسر ومبتسماً ابتسامة اتهام له... إذن أنتَ هو!

الـ99% لم تكن نتيجة انتخابات مزوّرة لكلّ الرؤساء وحسب، بل تحوّلت إلى ثقافة شموليّة مجتمعية تعتمد التعميم أسلوب حياة دائم. استعملها العامّة في مصطلحاتهم اليوميّة، فباتت 99% من البائعين لصوص، و99% من النساء عاهرات، و99% من المشايخ دجّالون، حتّى أن البعض صار يدرج العبارة التي –برأيه- تعطيه المصداقية وتقنع الآخر فيقول:
-       99% من الفلسطينيين زعران، "إذا مو أكتر، مشان ما كون عم كذّب"!


نطلقُ الأحكام. التهمة دوماً جاهزة، وبالجملة. إلّا أننا لم نفكّر مرّة في سبب النتيجة التي وصلنا لها، وهي خاطئة بالضرورة. ربّما لأننا لا نريد أن نكلّف أنفسنا عناء البحث، تنتهي القضية عندما تقول صبيّة عشرينية لحبيبها الذي خانها:
-       أصلًا أنتو كلكُن هيك! .. الرجال كلُّن هيك!

البحثُ متعبٌ، ونتائج البحثِ عادةً لا تناسب طموحاتنا وتوقّعاتنا أو ما نريده أن يكون حقيقة. فلو بحثنا قليلاً، سنكتشف أن الحقيقة التي نريدها أن تكون حقيقة، كانت وهماً صنعناه لنثبت للناس أننا على حق، فلماذا نكتشف أننا على خطأ، ماذا لو كان الخيار الثاني هو الحقيقة؟

كثيراً ما يقال: إن 99% من العلويين شبيحة، ويضيف آخرون، والـ1% جاسوس للأمن في صفوف المعارضة. ماذا لو كانت الحقيقة غير ذلك، وأثبت بحث ما، أن 60% من العلويين مع الثورة على سبيل المثال؟ هل سترضي هذه النتيجة أصحاب نظرية الـ99%؟ كيف سيستطيعون بعد ذلك أن يقولوا إنها حرب على السنّة، وإننا مظلومون؟ كيف سيعيدون التاريخ ليكونوا مظلومي العصر ولطّامي القرن الواحد والعشرين؟ والعكس صحيح بالنسبة لمن يقول إن 99% من السنّة يريدون إبادة العلويين. ماذا لو كانت ثورة شعبية لكل السوريين المظلومين ضد النظام الظالم وأعوانه المنتمين إلى طوائف عديدة؟ هل ستنجح وقتها طموحاتُ احتكار الحق وادعاء الحقيقة إن لم تكن هناك مسلّمة تدعى الـ99%؟

من المؤكد أن الـ99% أصبحت أسلوب حياة. بل أصبحت أسلوباً مضحكاً تارة ومقززاً تارة أخرى. فقد استطاعت هذه المنظومة المرضيّة دخول المنازل وغزو العقول، حتى أنها استعملت في التسويق والإعلان بشكل ممنهج. فالسائل المعقّم والمطهّر يقضي على 99% من الجراثيم، كما أن 9 من 10 نساء يستعملن صابونة معينة، و9 من 10 أطبّاء أسنان ينصحون باستعمال معجون أسنان ما.

طيلة هذه المرحلة التي ترافقت مع أنظمة حكم شمولية كانت الـ99% منظومة متكاملة، تفرض كذبتها حقيقة علميّة لا تقبل الشك. وطيلة هذه الفترة لم أجد إجابات على أي من أسئلتي، حتى كدّت أشعر أنني مثل تلك الجرثومة التي يتركها ذاك "المعقّم" تحت المجهر، لا هي قادرة على التطور والتكاثر، ولا هي قادرة على الموت لتكمل نجاحات القاتل!

الربيع العربي، أتى بمصطلحات جديدة لمرحلة جديدة تنادي بالديموقراطية والتعددية وصار الرئيس الناجح بالانتخابات ذاتها –المزوّرة ربما- مطالَباً بتغيير الرقم. فأصبحت النتائج على الشكل التالي: 87% للرئيس المحبوب والقائد الملهم. 65% للرئيس الجديد الذي لم يعرف خيره من شرّه. 97% للرئيس الخارق الذي يأتي الأنبياء ليدعموا ترشيحه في رؤى المشايخ. بالتالي فإن مبيد الحشرات صار يقضي على 87%، و8 من 10 نساء تستعملن مزيل شَعر بعينه. إذن، فالقضية ليست جودة منتج تمنحه تفوّقاً على منافسيه، بل في طبيعة المستهلك (المجتمع) الذي يستطيع تقبّل الكذبة وهو يبتسم مقتنعاً، الكذبة لم تختلف أبداً، سواء كانت في الانتخابات أم في الإعلانات، هي ذاتها، لكن المرحلة اختلفت، وحدها الحقيقة هي أن التعميم –كما تقول صديقتي- هو مجزرة جماعية، حكم على مجموعة كبيرة من البشر بما ليس فيهم. هذه هي الحقيقة حتى الآن، لا أي نسبة مئوية. إلى أن تتغير الكذبة وتصبح حقيقة، ربّما علينا جميعاً.. أن نبقى تلك الجرثومة الصامدة تحت المجهر في وجه الإبادة!

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024