حكومة نجيب ميقاتي: ما جمعه البيزنس، لا تفرّقه السياسة…

أسعد قطّان

الأحد 2021/09/12
تعرف أحزاب السلطة أنّها في حاجة إلى وقت مستقطع كي تستعيد أنفاسها. وهي تدرك جيّداً أنّ أمامها مجرّد أشهر قليلة كي تعيد إنتاج ذاتها في صناديق الاقتراع. الحكومة الجديدة تقدّم لها هذه الفرصة. وتتيح لها «التفرّغ» لعمليّة استعادة زمام المبادرة، وذلك بعد الهزيمة النكراء التي مُنيت بها في 17 تشرين. فهذه الأحزاب مقتنعة بأنّها تستطيع الاستمرار في إدارة البلد بالطريقة ذاتها، وبالعقليّة ذاتها، التي كانت سائدةً قبل نزول الناس إلى الشوارع إبّان الانتفاضة المجيدة وتعليقهم المشانق بعد انفجار المرفأ.

طبعاً، من السذاجة التقليل من أهمّيّة العوامل الإقليميّة والدوليّة التي دفعت إلى خروج حكومة نجيب ميقاتي، بسحر ساحر، من سراديب الساسة ودهاليزهم إلى النور: من التقاطع الفرنسيّ-الإيرانيّ، مروراً بالموافقة الأميركيّة الضمنيّة على تمثّل حزب الله في الحكومة، وصولاً إلى صرف النظر عن شيء من إعادة ترتيب العلاقات الاقتصاديّة بين عدد من الدول العربيّة وسوريا. لكنّ هذا كلّه لا يكفي لتفسير ولادة حكومة نجيب ميقاتي. ثمّة أيضاً عامل داخليّ يجدر التوقّف عنده.


لقد بدأت أحزاب السلطة تخاف من الفوضى، ومن فقدان السيطرة على الشارع، ومن عودة الدكاكين الأمنيّة هنا وهناك. إنّ مناخاً كهذا لا يتيح لها التركيز على إعادة ترتيب أولويّاتها وإدارة مصالحها. فلا أحد يرغب في عودة زمن ميليشيات الشوارع. ومن كانوا مقاومين في الماضي، صاروا اليوم رأسماليّين. ولا يخامرهم أيّ شوق إلى الترجّل والتخلّي عن كراسيهم ومغادرة المليارات المكوّمة في خزائن قصورهم الصمّاء بغية العودة إلى زمن التعفّر برمل المتاريس. لقد دحرجت انتفاضة 17 تشرين التسوية المشؤومة التي نسجها أقطاب المافيا بعضهم مع بعض. هذا السقوط أفضى إلى حال غير مسبوقة من التخاصم السياسيّ القائم على الكلامولوجيا الفضفاضة وشدّ العصب الطائفيّ، والمتمثّل بعدم القدرة على اجتراح تسوية جديدة. ولكنّ أقطاب المنظومة يدركون جيّداً أنّ التقاطعات في ما بينهم أقوى من خصوماتهم الصغيرة والكبيرة. لذا، لم يجرؤ أحد منهم على خوض المعركة السياسيّة حتّى النهاية. لا سعد الحريريّ ولا نبيه برّي ولا وليد جنبلاط (وطبعاً لا سمير جعجع) أطلق معركة إسقاط رئيس الجمهوريّة في المجلس النيابيّ. ولم يرَ أحد منهم ضيراً من دخول الحكومة الجديدة على الرغم من الثلث «المقنّع» الذي انتزعه سيّد بعبدا. ولا جبران باسيل كان مستعدّاً لإسقاط الندوة البرلمانيّة المنتهية الصلاحيّة على رأسه ورؤوس أعدائه، وذلك على الرغم من تلويحه غير مرّة بالاستقالة. وها هو يستعدّ اليوم لمنح حكومة ميقاتي الثقة مع أنّه كان ضدّ تكليفه. وكلّنا يذكر كيف حرّكت حليفته القاضية غادة عون ملفّات فساد ضدّ نجيب ميقاتي بالذات بعيد انتفاضة 17 تشرين. ويبدو أنّ الباسيل لا يجد حرجاً في وصول حصان طروادة إلى الحكومة يختبئ فيه، على ما يزعم بعضهم، لا رئيس المجلس فحسب، بل حاكم المصرف أيضاً، وذلك على الرغم من الحملات الشعواء التي كانت تُشنّ على رياض سلامة كلّما تدلّل وتمنّع عن تمويل ما تبقّى من أطلال العهد القويّ. أمّا حزب الله، فاكتفى باللعبة التي لم تزده السنون العجاف إلّا إتقاناً لها وتفنّناً فيها: رعاية خصومات الزمرة الفاسدة ومداراتها بريف العيون. إذ أنّى له أن يعثر على من يخدم مقاومته أفضل منها. ومن ثمّ الاضطلاع بدور ناطور الكرم الذي لا يجد غضاضةً في السماح للثعالب بتناتش لحوم ضحاياها، ولكنّه يحول دون التهامها بعضها لبعض. فمتى دقّت الساعة وحان زمن القطاف وآن أوان توزيع المغانم، نال هو دون سواه حصّة الأسد، أسوةً بالنواطير الذين لا يغمض لهم جفن. 
فعلاً، لقد تعب قطّاع الطرق من «النقار». وها هم يتهيّأون اليوم لاستنساخ منظوماتهم القديمة. هنيئاً لهم تكالبهم على الحزمة الجديدة من البانكنوت التي يحلم نجيب ميقاتي باستجلابها، وذلك طمعاً في استلابها وتقاسمها كما استلبوا كلّ شيء وتقاسموه في الماضي. إنّ ما جمعه البيزنس، لا تفرّقه السياسة…
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024