يوم المرأة.. مصر التي في خاطري

محمود الزيباوي

السبت 2017/03/11
احتفل العالم، الأسبوع الماضي، باليوم العالمي للمرأة، وفي مصر يُعيد هذا الاحتفال إلى الذاكرة منح المرأة حق الترشّح في مارس-آذار 1956، بعد مسيرة طويلة انطلقت بداية القرن الماضي، خاضت خلالها المرأة المصرية سلسلة من المعارك المتواصلة في سبيل "تنظيم حقوقها، وتوطيد دعائم نهضتها، لتقوم بنصيبها في الإصلاح المنشود"، كما قيل عند انعقاد "المؤتمر النسائي العربي" في القاهرة في نهاية 1944.

في العام 1928، وضعت الصبية نظيرة زين الدين، كتاباً ضخماً من أربعة أقسام حمل عنوان "السفور والحجاب"، وأثارت سجالاً واسعاً شارك فيه عدد كبير من المشايخ والأدباء. وصل هذا الكتاب إلى مصر، وتحدّث عنه الشيخ علي عبد الرازق في مراجعة نقديّة نُشرت في مجلة الهلال. في هذه المقالة، رأى الشيخ الأزهري أن مصر "اجتازت، بحمد الله، البحث النظري في مسألة السفور والحجاب إلى طور العمل والتنفيذ". أما السوريون، "فيلوح أن للسفور والحجاب عندهم تاريخًا غير تاريخه في مصر، فهم لم يتجاوزوا بعد الطور النظري الذي بدأه بيننا المرحوم قاسم أمين منذ أكثر من عشرين سنة. لكنهم على ذلك يسيرون معنا جنبًا إلى جنب في الطور الجديد الذي نسير فيه، طور السفور الفعليّ الكامل الشامل".

نشر قاسم أمين كتابه "تحرير المرأة" في نهاية القرن التاسع عشر، فردّ عليه طلعت حرب بكتاب "تربية المرأة والحجاب"، ونقل في صدر هذا الكتاب واقعة وقعت في تلك الأيام، حيث تحمّست فتيات لدعوة تحرير المرأة، وخرجن من عربة المدرسة السنية وقد كشفن وجوههن، فثار أهل القاهرة، وركضوا خلف العربة يقذفونها ومن فيها بالحجارة، ووصفت الصحف هذا الحدث، ورُميت بنات المدرسة السنية بأقبح النعوت، فاشتعلت معركة فكرية بين رجال الفكر والدين. بعد سنوات، انتصرت دعوة قاسم أمين، وبات السفور علامة من علامات النهضة. رفعت هدى الشعراوي علم النهضة النسائية، وسارت صفية زغلول على دربها، وأيّدها زوجها الزعيم سعد زغلول. شاركت المرأة المصرية في ثورة 1919، وخطبت في ميدان العتبة الخضراء وسط الرجال، واستقبل شاعر النيل حافظ إبراهيم هذه المظاهرة بقصيدة مطلعها:

خرج الغواني يحتججن ورحت أرقب جمعهنه 
فإذا بهن تَخذن من سود الثياب شعارهنه 
فطلعن مثل كواكب يسطعن في وسط الدجنه 
وأخذن يجتزن الطريق ودار سعد قصدهنه

في العشرينات، لمع نجم منيرة ثابت، ابنة الإسكندرية المثقفة التي انتقدت الدستور المصري الصادر في 1923 لإغفاله الحقوق السياسية للمرأة، وتخطّت الحدود الحمر التي تفرضها سلطة الدين. تصدّت مجلة "الكشكول" لهذه الصبية الثائرة، وهاجمتها في تشرين الثاني/نوفمبر بأقسى العبارات، وطالبت رجال الأزهر بردعها لأنها تجرأت وادعت بأن "القرآن لم ينصف المرأة في الميراث، وغير المنصف ظالم، وليس يرمي بهذا الوصف أحد يؤمن به"، ورأت أن تعرضها للدين "أمر فظيع، وعبث لا ينبغي السكوت عنه لئلا تكون فتنة تذهب بما في نفوس النسوان من الإيمان، والمرأة لا وازع لها عن الشر غير الدين".

واصلت المرأة المصرية هذه المعركة في الأربعينات. في العام 1944، وُلد "الحزب النسائي الوطني المصري"، وكرّر المطالبة بحق المرأة في الانتخابات وفي تمثيلها في البرلمان، غير أن البرلمان المصري رفض الاعتراف بهذا الحق من أساسه. رافقت مجلة "الإثنين" الحدث، وكتبت في نيسان/ابريل: "عُرض اقتراح الأستاذ زهير صبري الذي يريد أن يجعل فيه للمرأة حق مساواة الرجل في الحقوق السياسية، وحق التصويت، وحق النيابة عن الأمة في مجلس البرلمان. لكن الاقتراح لاقى معارضة إجماعية من المجلس. واشترك وزيرا المواصلات والتجارة مع النواب في الحملة عليه. وانتهى الاقتراح برفضه من أساسه، ولم يقبل المجلس تحويله إلى أي لجنة بحجة مخالفته للدستور، ولقانون الانتخاب الذي يقتصر هذه الحقوق على كل مصري من الذكور".

في نهاية ذلك العام، عُقد "المؤتمر النسائي العربي" برعاية ملكية، وقالت هدى شعراوي عند افتتاحه بأنه سيبحث مسألتين أساسيتين، هما مسألة المرأة ومسألة فلسطين. في حفل الافتتاح، حيّت أمينة السعيد الحامي محمد علي علوية باشا الذي كان في مقدّمة من أيّدوا المرأة في دفاعها عن حقوقها الاجتماعية والسياسية، وأبدت أسف المؤتمر لاعتذاره عن الحضور بسبب مرضه. على خطى "الحزب النسائي الوطني المصري"، جدّدت "رابطة فتيات الجامعة المطالبة بحقوق المرأة السياسية، وعقدت مؤتمراً تحدثت فيه لطيفة وقالت: "إننا نود أن نرد على أولئك الذين يزعمون أن المرأة لا تستطيع أن تجمع بين واجب بيتها وواجبها كمواطنة. سنعمل على أن يكون للمرأة حق الانتخاب والنيابة والمساواة مع الرجل في الأجور والأعمال. سنمكن المرأة من أن تلعب دورها في الإنتاج القومي".

في أوائل الخمسينات، ترأست درية شفيق "اتحاد بنت النيل"، وقادت في شباط/فبراير1951 مظاهرة في شوارع القاهرة توقفت أمام البرلمان المصري للمطالبة بحق المرأة في الدخول إليه. بعد بضعة أشهر، قامت حركة الجيش في 23 تموز-يوليو، وألغت دستور 1923، وشكلت لجنة تضع دستورا جديدا، واعترف مشروع الدستور الجديد للمرأة المصرية بحق الانتخاب. تابعت "اتحاد بنات النيل" مسيرته، واعتصمت رئيسته مع زميلاتها في دار نقابة الصحافة في آذار-مارس 1954، وقالت ان مطالب الاتحاد تتلخّص في أن يكون للمرأة نصيب في مقاعد الجمعية التأسيسية وأن تدلي بصوتها في الانتخابات التي ستجري لاختيار أعضاء وعضوات هذه الجمعية. سارع عدد من الفنانات إلى زيارة المعتصمات، ومنهن مديحة يسري، كوكا، زينب صدقي، وأرسلت أم كلثوم وفاتن حمامة وتحية كاريوكا برقيات أيدت فيها هذه الحركة. بعدها، وجّهت سيّدة الشاشة العربية الدعوة إلى حفلة شاي تكريما لـ"بنات النيل"، وحيّت جهودهنّ، وقالت أن قضيتهنّ هي قضيّة كل نساء مصر.

حصدت هذه المسيرة ثمارها في العام 1956. وضعت حكومة الثورة دستوراً جديداً أعلنه الرئيس عبد الناصر في 16  كانون الثاني/يناير، في مؤتمر شعبي كبير أقيم في ميدان الجمهورية (عابدين)، وخوّل هذا الدستور للمرأة الاشتراك في عضوية مجلس الأمة، فاكتسبت المرأة لأول مرة في مصر حق الانتخاب، وحق عضوية مجلس الأمة. وفي 3 مارس، صدر قانون الانتخاب، وقضت المادة الأولى من هذا القانون بأن على كل مصري، وكل مصرية بلغ 18 سنة من العمر أن يباشر بنفسه الحقوق السياسية.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024