مانيفستو إلى سياسيّ فاسد

أسعد قطّان

الأحد 2019/11/10
«وعقصص الحضارة بفيّ الدار
يربى ويكبر أبطال زغار
تيصيرو شهدا وثوّار» (منصور الرحباني)
يا صاحب الجلالة،
لا بأس من أن تأخذ وقتك قليلاً بعد في توضيب حقائبك، أو في تشكيل حكومتك. فالمصرف الأخير في المدينة البحريّة لم يفلس بعد. والرغيف الأخير الذي يقضمه المتضوّرون جوعاً في زقاق حارتنا لم ينفد بعد. والشجرة الأخيرة في غابات الشوف الجميل لم تحترق بعد.
تمهّل قليلاً، وخذ وقتك في استنباط نظريّات المؤامرة ضدّ الشعب الساذج الذي صدّق أنّك تحبّ الوطن أكثر من قصورك. فطلاّب لبنان لم ينزلوا بعد كلّهم إلى الشوارع كي يتعلّموا منها أبجديّة الحرّيّة وكيف يحوّل القهر بنات الغنج والشمس إلى ثائرات. خذ وقتك يا سيّدي واخترع لذاتك حكايات بطولة وهميّة لئلاً تحتقر نفسك وتموت ذلاًّ. فما زال في الخيال بضع أكاذيب لم تخترعها أبواقك بعد. وما زال في الجسم بعض لحم لم يكدمه زعرانك بعد. وما زال في المعاجن خبز وملح لم يسرقه بعد اللصوص الذين كسرت معهم الخبز وقاسمتهم الملح.

خذ وقتك قليلاً بعد. فالكأس الأخيرة تحتاج إلى التلذّذ، والسكر الأخير يحتاج إلى التباطؤ، والمجد الأخير يحتاج إلى التلمّظ. أترع كأسك كي يخرج من لم يخرج بعد إلى الشوارع والساحات. حرّك سبّابتك شزراً كي تضيق المسافات بأطفال يحملون البيارق ويحفظون نشيدنا الوطنيّ من جديد. علّمنا نحن الأغبياء كيف تصير حسابات السياسة أهمّ من الوجع المتكدّس في العيون. ثقّفنا نحن الجهلة كيف تمتهن لغة الصمت عقولنا ثمّ تتحوّل إلى حطب لا نقوى على إشعاله كي ندفئ ركام أحلامنا.

تمهّل قليلاً يا سيّدي لئلاّ يجرّح سجّاد القصور خطواتك المتسارعة. فالأكاذيب ستنتظر. والخزعبلات ستنتظر. والأباطيل ستنتظر. والطوابير الخامسة ستنتظر. ونظريّات المؤامرة ستنتظر. والشعارات التي لا تغني عن جوع ستنتظر. والناس الذين يحرثون الريح ويحصدون الخواء سينتظرون. وسينتظر التاريخ الذي لا يرحم لأنّ مروره بطيء كالسلحفاة. ولكنّه هناك، في آخر النفق المرصوف بأنّات المرضى وآهات المسحوقين، سيهيّئ لك عميقةً عميقة مزبلته الأخيرة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024