مايكل جاكسون: لا شيء تحت الجدار

روجيه عوطة

الأربعاء 2019/01/02
كيف ترك مايكل جاكسون أثره في الفن المعاصر؟ هذا السؤال الذي يطرحه المعرض المنظم عنه في "غران باليه" بباريس، قد يصح طرحه بطريقة أخرى: كيف حضر مايكل جاكسون في هذا الفن، وما الذي بينه هذا الفن عن مايكل جاكسون؟ 

من هذا الباب الاستفهامي، تصير مشكلة المعرض متطابقة مع هندسته، التي من الممكن وصفها بالناجعة، ليس لأنها تنطوي على كرونولوجيا ما فحسب، بل لأنها لا تحصر النظر إلى الفنان اياه في زاوية معينة بل تتعداها إلى زوايا متنوعة. تذهب من حركته الجسمانية، إلى وطأته الميديوية، مروراً بعالمية مغناه، بالإضافة إلى تناوله كمقنّع مستمر، وكأيقونة وصنم معاً، وكمنقسم أو متحول دائم. وبالفعل، وإذا كان متاحاً أن تحل الخلاصة سريعاً هنا، فهي تفيد بأن جاكسون، "وعلى جدار" الفن المعاصر، لم يظهر واحداً، بل كثرة، لكن هذا ليس هو المهم، إنما انه ظهر كعملية استطيقية بحتة، نافل تسميتها بالجكسنة.
 
من المعلوم أن السوسيولوجيا تحدثت عن ظاهرة الجاكسونية، عن تماهي الشباب بجاكسون ومحاولة تقليده. غير أن الجكسنة أمر آخر، تدل عليها الأعمال التي جمعها المعرض، بالتفاوت في التعامل معها. وبين هذه الأعمال، هناك قسم صغير مخصص لصلة جاكسون بأندي وارهول، التي بدأت بتعاونهما خلال فيلم the wiz 1978، وانتهت بتحية من الاول الى الثاني في فيديوكليب الأغنية، scream 1995، التي أداها مع اخته جانيت. هذه الصلة تلخص الجكسنة، إذ إنها، وبلسان وارهول عندما فبرك كل المخلوقات قائلاً: أريد إبانة ألا شيء تحتها، ليست سوى تحويل لجاكسون الى كائن غازي، ومتبخر، ومؤلف من سطح، وفقط من سطح، وبياض على بياض. ربما، اول الاعمال الذي عبّر عن هذا هو عمل البريطاني اپو جونيور بواكيي-ايادوم، الذي استبدل جسم جاكسون ببالونات-أو أنفوخات بحسب العربية- معلقاً اياها بحذاء مجمد على حركة مشهورة من الحركات التي كان الفنان يؤديها أثناء رقصه. فعندما مات جاكسون، طار، لا يمكن تخيل غير ذلك، وما رماده الا مجرد هواء.

صدفة رائعة أن عمل بواكيي-ايادوم هذا يفتح المعرض ويقفله. فبين البداية والنهاية، هناك مسار واضح للجكسنة، من الممكن الإشارة إليها هكذا: تعطي رسوم داون ميللور، وبسبب يدويتها، كثافة معنوية لجاكسون. تصل هذه الكثافة إلى أوجها، من ناحية، في الفيديوكليب الشهير the thriller، الذي يستخلص منها جاك لوك بلان، رسم الصرخة الذي يحاكي فيه لوحة مونك، ومن ناحية ثانية، في تأليفات تود غراي وايما آموس الصورية التي تتناول جاكسون كعلامة من علامات بناء الهوية الافرو-اميركية. لكن هذه الكثافة، وعندما تصل إلى أوجها، تروح تتبدد ايضا. فجاكسون يصير قناعاً متناسلاً في عمل دان مهالتيانو، أو مجرد عينين أو نظرة في عمل جوردان ولفسون وغاري هيوم. تزول الكثافة، يصير جاكسون وعياً سياسياً في عمل فيديوي لجانثون هورويتز، كما يبدأ بالحلول، كملاك، مع يسوع المسيح، ومع مريم العذراء في صور ديفيد لاشابل. 

فجاكسون ما عاد شخصية، ولا ظاهرة، غدا استفهاماً: "ما هو؟". ففي فيديو كانديس بريتز، المعجبون به لا يقلدونه، لا تطاولهم الجاكسونية، بل يبدون انهم يحاولون صياغته بعد رحيله. وهذا ما ينسحب على صور لورين أوغرادي التي تجمع بودلير مع جاكسون بالإنطلاق من كون الأول فاتحة الحداثة، والثاني عقبها.

بعد هذه الصور، يصبح جاكسون كناية عن فكرة غير محددة، تستلزم تحليلاً. وحتى عندما يجري القبض عليها بتوقيف الشرطة لجاكسون بتهمة الاعتداء الجنسي على الأطفال، يبرز، ومع أنه مقيد، كأنه يرقص، فلا يمكن الجزم إن كان فعلياً موقوفاً أم لا. فالجكسنة حولت كل الكثافة إلى فكرة، وهذه الفكرة، ليست معينة، ولا مبهمة، لكنها، تصلح لتصميم جاكيت كما فعل مايكل لي بوش، وتصلح للأوبرا، كما انتجها كل من فرنسوا شينيو ونينو ليزني، وتصلح أن تكون كل الأشياء وفي كل المواقف.

لكنها، لكي لا تكون في المحصلة جداراً خالياً، كانت، مثلما بدأت، بالونات ملونة. فالجكسنة، وعلى مقلب من مقالبها، هي تجميل للهواء. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024