الحرية الشخصية.. نقمة سياسية

محمد حجيري

الخميس 2020/01/23
كان لافتاً في المدة الأخيرة، مدى اندفاع الجمهور في استعمال عالم الفايسبوك في الحرب السياسية على المرشحين لمناصب وزارية وما شابه. بدا أن عالم الفايسبوك تحول من بوابة للحرية الشخصية، إلى نقمة "وفضيحة" إذا جاز التعبير. أو كأن ما نستطيع عمله وفعله في حياتنا الخاصة، لا نستطيع فعله لحظة دخولنا السياسة، أو ينبغي حذف أثره قبل الدخول في السياسة، خصوصاً بعد موجة 17 تشرين وحماسة الناس في المحاسبة والتعليقات في "فايسبوك" و"تويتر".

بدأ طوفان "فايسبوك" في فضح المرشحين للمناصب، مع مرشح منصب وزير الخارجية المقيم في أميركا فيليب زيادة (هذا إذا تخطينا قصة سعد الحريري وكانديس). فما كان يعتبره زيادة ترفاً في حياته اليومية، ونشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي، صار نقمة يستعملها مختلف الأشخاص، سواء الذين يؤمنون بالحرية الشخصية أو حتى المتزمتين، تلك اللقطات الحميمة والآتية من عالم الكباريه والسهر والترف، كانت كافية لإطاحة أي طموح يسعى إليه صديق جبران باسيل.. لا نستطيع ان نؤكد إن كان انسحابه من سباق المنصب مرتبطاً فعلاً بالصور الحميمة و"الفاضحة"، لكنها، بكل تأكيد، كانت ذات أثر كبير، وسرعان ما استُعملت التقارير في شاشات التلفزيون لتبييض صفحته والحديث عن نجاحاته في عالم العقارات والشركات.

مع تشكيل حكومة حسان دياب الجديدة، واختيار نصف دزينة من النساء كوزيرات، كان لافتاً اكثر اندفاع الجمهور الفايسبوكي في البحث عن حميميات النساء وصورهن وعالمهن الخاص.... فبمجرد ذِكر اسم الصيدلانية بيترا خوري، كمرشحة لوزارة الدفاع، دلفت الى "فايسبوك" صورها "السكسي". امرأة رياضية بخصر يشبه الغيتار، وصدر شامخ، ونظرة ثاقبة توحي بالإثارة. في صورة أخرى، تجلس بتنورة قصيرة كأنها تمضي لحظات جميلة في عالم الرقص والكباريه، ولم يتوقف الفسابكة عن التعليقات المسلية والتافهة والغبية والخبيثة والمتهكمة. ألغي ترشيح بيترا خوري، ولم يتأكد احد إن كانت هي صاحبة الصور فعلاً، ولم نعرف وجهها ولم تصرّح. استُعملت صورها "المثيرة"، كأن خيال الجميع يسخر من الأنثى الأنثى في موقع وزيرة الدفاع الذكوري عادة، أو كأن اللاوعي الايروتيكي اشتغل للسخرية من الواقع السياسي... ولم يتوقف الأمر عند بيترا خوري، فحتى عندما أُعلن تعيين زينة عكر وزيرة للدفاع، لم تتوقف نغمة الصور المثيرة المنسوبة اليها وهي ليست لها في الواقع، عن قصد أو عن غير قصد، وظلّت تعليقات تستعمل صور بيترا خوري للاشارة الى زينة عكر، ونسبت صورة أخرى لها، وهي في الواقع لفتاة في الحزب السوري القومي الاجتماعي، ترتدي بزة عسكرية في شارع الحمرا... أيضاً، اختلط حابل وزيرة الدفاع بوزيرة الإعلام، فنسبت صورة للأخيرة ترتدي ثوباً أحمر كاشفة عن ساقها، وقيل الكثير من الكلام التهكمي عن جمال الصور وفكرة الأنثى في موقع وزيرة حرب.

أما وزيرة الإعلام منال عبد الصمد، فشأن خاص أو عالم خاص في الصور واللقطات الجميلة المنشورة في "فايسبوك" و"تويتر"، سواء في رحلاتها البحرية أو الرياضية أو في بحثها عن الموضة، تحولت صورها الى لحظة للترفيه الفايسبوكي. نسي الجمهور اختصاصها وعلاقتها بالسياسة، وركزوا على جمالها، بل سخروا من أن يكون جمالها موجوداً في الحكومة الديابية (نسبة الى حسان دياب). وفي المجمل، قلّة من المعلقين الفسابكة، اهتمت بالسيرة الذاتية للوزيرات، مقارنة بالاهتمام بصورهن، كأن الاختصاص والسيرة الذاتية والدور، أمور مفروغ منها في بلد ركيزته طائفية زبائنية. فحين تصل المرأة إلى منصب، تكون إما ملحقة بسياسي أو مجرد ديكور، أو تأتي من ضمن "الموضة السياسية الجديدة" التي توهم الرأي العام بإعطاء دور للنساء، وفي الواقع والمؤكد، الحكومة كلها بلا دور، سواء الرئيس أو الأعضاء (نساءً ورجالاً)، فهم أدوات تنفيذية في يد الحزب الحاكم، المعلن والمستتر...

ثمة من رأى في عالم الأنوثة السياسية داخل الحكومة، قناعاً جديداً لتغطية سياسة "حزب الله"، وأحسب أن هذا هراء آخر، فأمين عام "حزب الله"، عند كل منعطف، يطل ليتلو مسار الحكومة وأفقها...
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024