أحمد غصين و"جدار الصوت" والصورة السورية

محمد حجيري

السبت 2019/08/24
كان الهدف من لقاء "المدن" مع السينمائي والفنان أحمد غصين، نوعاً من دردشة لكتابة بروفايل عن طموحه ولغته وطريقته السينمائية المتأرجحة بين الوثائقية والتسجيلية، لا سيما في فيلمه "أبي ما زال شيوعياً"، والروائية راهناً في فيلمه الجديد "جدار الصوت" الذي سيعرض قريباً في مهرجان البندقية(*)، وهو الذي يشكل نقلة جديدة في مسيرته، وكأن المخرج يخطو خطواته بهدوء ما بين الفن المعاصر والسينما...

وقبل أن تكون السينما، لغصين، صناعة وإخراجاً، سواء كانت تسجيلية أم وثائقية أم روائية، كانت حضوراً وذاكرة واكتشافاً وتعلماً. فالشاب الذي نشأ في بيت تديره الأم في غياب الأب المسافر، كانت أشرطة الفيديو إحدى الوسائل التي تستعملها لإلهاء او تسلية أربعة أولاد في البيت. ربما كانت تعرف السر الذي يسحر أولادها أو يجذبهم، والأشرطة التي تجلبها كانت سائدة في المجتمع اللبناني ومحلات الأفلام، تُستأجر لأيام ثم تُردّ، وتتأرجح بين الهندية الدرامية والكونغ فو وأفلام بروسلي، وقد كان لها تأثيرها كسينما بصرية على نشأة أحمد غصين، الذي اختار أن يدرس المسرح في الجامعة اللبنانية، ثم الفنون البصرية في الأكاديمية الوطنية للفنون – أوسلو(KHIO). صوّر بعض الأفلام القصيرة كمحاولة لقول شيء من خلال الصورة، وعرض فيلمه القصير "تشويش" (ضوضاء بيضاء)، الذي أنتج ضمن مبادرة "Lebanon Factory" في افتتاح أسبوع المخرجين في "مهرجان كان" الدولي في العام 2017. ونال في العام 2004 "جائزة أفضل مخرج" عن فيلم تخرجه "عملية رقم .." في "مهرجان بيروت الدولي". كما نال غصين في 2011 "جائزة أفضل فيلم قصير" في "مهرجان تريبيكا" – الدوحة عن فيلمه "أبي ما زال شيوعياً" الذي عرض أيضاً في "مهرجان برلين السينمائي" و"متحف الفن المعاصر" ("MoMa") – نيويورك، إضافة الى العديد من المهرجانات الأخرى. أما فيلمه "المرحلة الرابعة" فكان فيلم افتتاح The Forum Expanded – او ما يعرف بـ"المنتدى الموسع" في "مهرجان برلين الدولي" 2016. وهكذا توسعت الدائرة، او كان صعود السلم درجة، ولم تبتعد سينما غصين عن بيته ومحيطه ومجتمعه. بدأت في البيت والمجتمع والمدينة، لتتحول الى سينما الفرد وسط عالم الصراعات، والبحث عن قول ما يمكن قوله، سواء في التسجيل، او البحث في البُعد الميتولوجي – الشعبي... 

وصودف لقاء "المدن" مع غصين، أن تزامن مع إحداث بعض مشاهد فيلم "جدار الصوت" بلبلة في "فايسبوك"، بسبب المكان الذي اختاره غصين لتصويرها، مع العلم أن الفيلم لم يُعرض بَعد، والنقاش الحقيقي يفترض أن يبدأ بعد مشاهدة الفيلم. والسؤال الأساس الذي طُرح: هل يجوز التصوير في ذلك المكان؟ هل يجوز استعمال صور خراب مدينة في سوريا، لتكون عن فيلم مسرحُه لبنان؟ هل نحن أمام معضلة أخلاقية هنا؟ بالطبع هناك حساسية مفرطة في هذا الموضوع، حساسية تتعلق بالصراع والهوية والحرب وطريقة التوظيف، والرأي اللبناني والرأي السوري، وتدخل "حزب الله" في سوريا... سبق لبعض الأفلام أن أحدثت بلبلبة شبيهة، سواء لناحية اختيار الموضوع أو مكان التصوير...

طبعا لأحمد غصين جوابه، وحين سألتُه عن أن هناك مَن يقول إنه استعمل المأساة السورية كديكور، كان رده:

"هناك فرق بين أن يستعمل المخرج مَشاهد معينة كديكور، وبين أن يستعير. والاستعارة هنا هي مفتاح النقاش لما تحاول قوله في المضمون وعبر لغتك السينمائية، كالحديث هنا عن مدنيين سُحقوا ويُسحقون يومياً أمام ماكينة الدمار في بلداننا، وفي هذا الشرق. مرة في جنوب لبنان، مرة في سوريا، أو اليمن....، فيلمي يتخذ من حرب تموز مسرحاً، أو فضاء درامياً إذا شئت، لكنه في النهاية ليس عن حرب تموز وحدها، ولا عن أي حرب أخرى دون سواها، صحيح أننا نعالج هنا أحداثاً تدور خلال تلك الحرب، إلا أن القيمة الأسمى تبقى للفرد. الفرد وانشغالاته وصراعاته الوجودية الصغيرة وأسئلته الدائمة والتي تتضخم او تتقلص بحسب ما يختبره، ويكون محورها غالباً عن جدوى عيشه في هذه المنطقة. اهتمامي هو بالمدنيين الذين يتركون لمصيرهم المجهول في الحروب، فليس من باب الصدفة مثلاً أننا لا نرى وجوه الجنود في الفيلم، ولا من باب الصدفة أنه لا أبطال في الفيلم، أو أن هناك بطلاً واحداً، ذلك أن الفيلم يبدأ بشخصية "رئيسة" سرعان ما تندمج مع مجموعة الشخصيات العالقة تحت الدمار...، الحروب تشبه بعضها بعضاً، ويتماثل المدنيون في مصائرهم تحت وطأتها، سواء كانت حرباً في سوريا أو لبنان أو اليمن... ما تصدّره الحروب إلينا من مشاهد ومآس وإشارات تراجيدية، تجعلك عاجزاً عن الفهم عند نقطة ما، فيصبح الفرد القزم بكل إنسانيته، أمام آلة الخراب هذه، محورَ التساؤل والمعالجة. في لعبة الزمن والذاكرة، الحروب تُذكّر ببعضها البعض وتحيل إلى بعضها البعض أيضاً. تتقاسم في ما بينها علامات الخراب والمجهول والتشوش وعدم اليقين والسواد، على المستويين الإنساني والمديني. في آخر الفيلم مثلاً ينظر مروان (الشخصية التي بدأ بها الفيلم) الى السماء في لقطة طويلة تفتح على قابلية العلاقة مع السماء والآتي منها".

(*) يُذكر أن "جدار الصوت" تدور أحداثه في لبنان خلال حرب تموّز 2006. أثناء وقف لإطلاق النار مدّته 24 ساعة، فيخرج "مروان" بحثاً عن والده الذي رفض مغادرة بلدته الجنوبية ويترك زوجته رنا تستعد للهجرة إلى كندا. لم يجد مروان أي أثر لأبيه، وسرعان ما انتهى وقف إطلاق النار، ما اضطره إلى اللجوء إلى منزل نجيب، صديق والده. أما قائمة الممثلين، فتضم: كرم غصين، وعادل شاهين، وبطرس روحانا، وعصام بو خالد، وسحر منقارة، وفلافيا جوسكا بشارة...
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024