من أين أتت "مشروع ليلى"؟

حسن الساحلي

السبت 2019/07/27
تنتمي فرقة "مشروع ليلى" إلى جيل من فرق موسيقى الروك، ذات توجه إجتماعي وسياسي، ظهرت بشكل خاص بعد العام 2000، ومنها "سكرامبلد إغز" التي بدأت نشاطها في أوائل العقد الماضي، وقدمت مستوى عال من نواحي الموسيقى والكلمات، قبل أن تتوقف منذ سنوات قليلة (يمكن وضعها تحت خانة "بوست بانك" وقاربت مواضيع مرتبطة بالعنف والحرب، بتوجه أناركي)، وفرقة "لومي" العائدة مؤخراً إلى الحياة بعد غياب طويل، والمعروفة بصوتها الفريد والميلانكولي، وفرقة "بلند" التي تظهر في أغانيها انعكاسات مرحلة السلم المهدد واعادة الإعمار في الفترة السابقة للعام 2005، وتعتبر صاحبة التأثير الأكبر على "مشروع ليلى" من نواحٍ عديدة، رغم غنائها بالإنكليزية (توقفت في العام 2007) كما أكثرية الفرق اللبنانية التي ظهرت خلال العقدين الماضيين.

يمكن اعتبار "مشروع ليلى" آخر فرق هذا الجيل، الذي كان لا يزال يؤمن بجدوى السياسة، ويحاول الإنخراط في حركات التغيير بطريقته الخاصة، هذا بعكس فرق الروك التي أتت بعد "مشروع ليلى" (باستثناء فرقة "مين")، مثل "هو كيلد برولي"، "بوست كاردز" و"وانتن بيشوب" (جميعها ولدت بعد العام 2010)  التي انخفضت نسبة تسييسها بشكل واضح، وأغانيها إما تتمحور حول مواضيع الروك المعتادة (الحب، الإنفصال.. ) أو تمتلك موقفاً عبثياً غير قابل للتسييس، وفي حال قارَبَت هذه الفرق الوضع اللبناني، وهو احتمال ضئيل، تكون طريقتها سطحية ترى أصل المشكلة حصراً بالسياسيين والزعماء من دون تفريق بينهم. 
كما أن ميلها للخروج من لبنان أكبر من الفرق السابقة، حيث يتوجه جزء منها إلى الأسواق الأوروبية رغم صعوبة ذلك، لكنه التوجه الحتمي لفرق تغني حصراً بالإنكليزية وغير قادرة على صرف منتجها في العالم العربي.

هذا الإبتعاد عن الإجتماعي والسياسي عند هذه الفرق، لا يمكن فصله عن اليأس العام الذي أصاب اللبنانيين والطبقة الوسطى في العقد الماضي، وبشكل خاص بعد سنوات 2005 – 2008 التي قضت عملياً على أحلام إعادة الأعمار وحوّلت معنى السياسة إلى شيء غير واضح ومن دون جدوى أمام آلة القتل التي لا تتوقف. هذا رغم بعض الفترات المضيئة التي تعود لتخفت بسرعة، مثل حراك 2015 الذي واكبه فقط مشهد "الهيب هوب"والـ"راب"، بعكس مشاهد الموسيقى الأخرى التي لم تحرك ساكناً كأنها غير معنية بما كان يحصل وتعيش في مكان آخر من العالم (مع عدد قليل من الإستثناءات من بينها "مشروع ليلى").

ولدت فرقة "مشروع ليلى" في العام 2008 مع موت السياسة بالمعنى الذي كانت قد كرّسته ثقافة المواجهة بين ساحتي 14 و8 آذار، وقد دخلت الفرقة أرضاً مجهولةً لا تزال مستمرة اليوم، من دون أن تستسلم أمام غياب الحلول والأجوبة. وقررت الغناء بالعربية حصراً، بعكس أكثرية فرق المشهد اللبناني البديل التي لجأت إلى الإنكليزية التي يمكن اعتبارها الخيار "الأسهل"، من الناحية الإجتماعية، في حال افترضنا أن السائد كما يبدو في الجامعات والأوساط الشبابية، يرى في العربية لغة أقل قيمة ولا تتلاءم مع روح العصر.

هناك سبب آخر أيضاً، هو أن الإنكليزية تعطي حرية أكبر في التعبير أو الشتائم، كما تؤمن نوعاً من الأمان بعيداً عن مجتمع الأهل الذي يظهر يوماً بعد آخر تخلفه وانحسار قدرته على تحمل الإختلاف. اليوم يمكننا إيجاد عشرات الأغاني اللبنانية التي قدمت وجهة نظر متطرفة تجاه المجتمع اللبناني وطوائفه ومحرماته، إلا أن أحداً لم يقترب من مغنيها لسبب بسيط هو الحاجز اللغوي الذي كان بمثابة حماية لها.

بكل الأحوال، مع أن "مشروع ليلى" قررت الغناء بالعربية، إلا أنها لم تأخذها كما هي، بل طوّعتها وكسرتها لتصبح ملائمة لما تريد إيصاله، بطريقة واعية للمشاكل التي يمكن أن تواجهها (ما حصل مؤخراً مع الفرقة بدأ بسبب منشور على فايسبوك وليس بسبب أغنية)، هذا بعكس السائد في النمط الغنائي الإجتماعي الذي كرّسه اليسار خلال الحرب، وهو نمط يجيد استعمال الأسلوب المباشر ولا يزال عاجزاً عن فك الإرتباط مع زياد الرحباني، وما يحسب لـ"مشروع ليلى" أنها قدمت أغنية إجتماعية بديلة، أكثر عمقاً وأقل مباشرة من السابقة التي وصلت إلى مكان مبتذل، لا يجيد سوى الإستعراض والصدام، ولم يتوقف عن إعادة تدوير الأغاني القديمة نفسها بأشكال جديدة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024