زيارة غورو إلى الشمال افتُتحت في طرابلس(*)

المدن - ثقافة

الخميس 2017/09/14
(*) زيارة الجنرال غورو الى شمال لبنان كانت قد استهلّت في طرابلس. وقد بلغها يوم الخميس في 23 أيلول 1920 على متن بارجة أقلّته وأركان حربه، نزل منها الى اليابسة، في الميناء، حيث كانت الجماهير الغفيرة يزحم بعضها بعضاً لمشاهدته. وقد شقّ طريقه بين مستقبليه متوجّها الى منزل رئيس بلدية الأسكلة نوربك علم الدين حيث قُدمّت له المرطّبات، وخرج موّدعاً بما يليق بمقامه، وركب سيارته قاصداً السراي في طرابلس.

في السراي
ويتعذّر الإتيان بالتفصيل على وقائع الزيارة كما نشرتها جريدة "الرقيب" في عددها 27، يوم السبت في 25 أيلول 1920، على مدى صفحتين وثلث الصفحة من أصل صفحاتها الأربع، نظراً لطول الخطابين اللذين تمّ إلقاؤهما من قبله، ومن قبل رئيس الجزاء. لكن يمكن إعطاء فكرة إجمالية.

وصل الجنرال غورو الى سراي طرابلس التي كانت تخفق فوقها الأعلام الفرنسية وفي نوافذها وباحاتها، وأقواس النصر مزدانة بالرياحين، يصحبه الأميرال دي بون، أمير اسطول البحر في جيش الشرق، والأميرال مورنه، والقومندان ترابو، حاكم لبنان الكبير، والقومندان ألمان، مستشار شمالي لبنان، والكابيتان بيشون، مستشار طرابلس، في عدد من السيارات، فضجّت الجموع بالتصفيق، والهتاف. إحدى فتيات مدرسة راهبات المحبّة لليتامى قدّمت له باقة زهر. تلامذة المدرسة الوطنية الإسلامية وعلى رأسهم المدير محّمد السكري، واحد معلميها الشيخ منيب العكاري، شاركوا في استقباله. قبل ان يستأنف سيره نحو البهو الكبير المعدّ لإستضافته. ثمّ بدأ دخول الوفود بالترتيب: أعضاء مجلس الإدارة، ثم أعضاء بلديتي طرابلس والميناء، فرهط العلماء، ورؤساء الطوائف، ثم مجموعة من المحامين، فالأعيان فالوجهاء، فهيئة الأطبّاء برئاسة الدكتور نعمة الله يونس، طبيب اللواء.

وتعاقب، بعد ذلك، على الكلام كل من "فضيلة رئيس الجزاء" بخطاب بالفرنسية، وناصيف طربيه بأبيات شعريّة بتاريخ، ثم فضيلة الشيخ عبد الفتاح الزعبي، نقيب الأشراف، بالعربيّة، فالمحامي حنا قصاص، بالفرنسية. وقد تلا نعمة خلاط العريضة المرفوعة الى فخامة من عموم الأهالي التي يلتمسون فيها إنشاء الخطّ الحديد لتسهيل المواصلات بين طرابلس وحمص، والإهتمام بالمرفأ. وبعد إنتهائه من قراءتها وقف غورو وألقى خطاباً مسهباً كان يتولى تعريبه الفوري ترجمانه المسيو مرسيه. استهله بالقول انه كان سبق وزار طرابلس في شهر آذار 1920، وقت كانت الدسائس ضاربة أطنابها في البلاد، وان الأحوال تبدّلت مُذ ذاك، متناولاً معركة ميسلون، ومراحل تصدّيه للملك فيصل الأوّل وقضائه على آماله.

وتوقّف عند موضوع السكّة الحديد التي ستصل طرابلس بحمص، وضرورة تطوير المرفأ، ليصل الى القول بالنصّ الحرفي: "كما حققت آمال البيروتيين فأعطيتهم إستقلالاً إدارياً واسع النطاق، هكذا أعطيت الطرابلسيين الذين أعجب من تذمّرهم وكيف لم يرق لهم ذلك، واني أحتج بشدّة على ما قاله بعض الخطباء من ان بيروت هي أحسن حظّاً من طرابلس، مع انكم تعلمون ولا شك اني أنا هو السلطة، وان هذا القرار صدر مني. وذلك بعد التدقيق والبحث الطويل، وبعد أن درست الأمر جيداً بمعاونه فريق من ضباطي الخبيرين ذوي الإقتدار، واني فرنسي لا بيروتي، فكل المناطق اللبنانية والسورية هي في نظري متساوية".

وبعد إنتهائه من خطابه قدّم اليه مصطفى بك قومندان الجندرمة، ثم وجهاء عكار من الطائفتين الإسلامية والمسيحية، ثم موظّفو الحكومة، "والسكرتارية"، وأصحاب الصحف، فيما كان يتبادل الحديث مع المتصّرف حسين بك الأحدب.

ثم خرج موّدعاً كما إستُقبل وزار المولوية، والقلعة، ومرّ راجلاً في بعض الشوارع، قبل أن يعود مع حاشيته الى بيت هاشم الذوق، رئيس بلدية طرابلس، حيث أعدّت لهم مائدة أنيقة.

في بيت هاشم الذوق
الذوق خطب بالفرنسية مرحّباً، شاكراً له توطيد الأمن، والعمل على راحة الأهلين، وتلاه فؤاد الذوق، ورشيد كيروز، قبل أن يقف غورو شاكراً صاحب الدعوة، حاثاً الجميع على الوئام في ظلّ العلم المثلّث الألوان. واعداً بزيارة قريبة لرئيس السكّة الحديد، قد تثمر معه اتفاقاً على عقد سيكون لطرابلس منه النفع الجزيل.

شكر وشعر
جريدة "الرقيب" لم يفتها إدراج شكر الكابيتان بيشون، مستشار طرابلس، عموم الطرابلسيين على حسن إحتفائهم بمندوب فرنسا، مثيناً على أريحتهم، وكرم أخلاقهم.
ولا فاتها إيراد أبيات، ناصيف طربيه (من سبعل) الصحافي المتقاعد آنئذٍ، مؤسّس جريدتي "الأجيال" و"الضمير"، في طرابلس، وهي التالية: خفقت بنود فرنسه في أفقنا/مُذ جاءنا غورو والذي لا يشى الحمقْ/ فلتهنئ الأوطان في من ذكره/كعبير مسك في البرية قد عَبَقْ/ من قال قولا لا يتم خلافه/ والصدق كل الصدق في ما قد نَطَقْ/منه رأينا اليوم فعلاً فوق ما/كنا سمعنا فالأوائل قد سَبَقْ/أسّ الإخاء فرنسة قد أرّخت/ علم العدالة فوق سوريا خَفَقْ/ (1919 هو تاريخ رفع العلم، ووصول الجنرال غورو الى لبنان وسوريا).

(*) مدونة كتبها الباحث محسن أ. يمّين في صفحته الفايسبوكية
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024