قاسم سليماني بين مايكل مور وخامنئي

محمد حجيري

الأحد 2020/01/05
سريعاً ما أُدخل اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، بصواريخ طائرة أميركية مسيّرة، في أتون الميتولوجيات الدينية والقومية والسياسية والثقافية، وهو حتى في حياته كان جزءاً ومنها، ويضفي عليه النظام الإيراني شيئاً من ثقافتها، وأن يقتل بصواريخ أميركية وعلى الملأ وبإعلان صريح من البنتاغون الأميركي، فهذا سيزيد من وتيرة التقديس واستحضار تخيلات الماوراء والملاء الأعلى ولغة الانتقام...

فقد أعلن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي على إحدى صفحاته عن وصول قاسم سليماني إلى الجنة حتى قبل دفن جثته وعلق على صورة نشرها للحظة احتضان الحسين بن علي (حفيد نبي الاسلام)، لسليماني، بعد مقتله، وقال: "ها قد حلّق لواء الإسلام العظيم وشامخ القامة إلى السماوات"، الصورة التي نشرها موقع خامنئي"، أثارت جدلاً واسعا بين الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلق خامنئي على الصورة، بالقول، إن "سنوات من الجهاد الخالص والشّجاع في ساحات مقارعة شياطين وأشرار العالم، وأعوام من تمنّي الشّهادة في سبيل الله بلّغت أخيراً سليماني العزيز هذه المنزلة الرّفيعة إذ سُفكت دماؤه الطاهرة على يد أشقى أفراد البشر على وجه الأرض".

بحسب الباحث أحمد زين الدين يُفهم من استدعاء المقدّس برموزه وتجلياته العجز الراسخ لدى الجماعات التي تنظر إلى أزماتها من منظور المعتقدات الماورائية. وعلق الخبير الأميركي في سياسات الشرق الأوسط ميخائيل دوران على الصورة بالقول إن البلطجية الأصوليين دائما ما يلجأون إلى الدين عندما تكون قبضتهم على السلطة في خطر". فخامنئي الذي كان يصف سليماني في خضم نشاطه القتالي بـ"شهيد الثورة الحي"، هدد بعد عملية الاغتيال بـ"الحرب المقدسة"، ورُفعت في طهران الراية الحمراء وشعارات "يا لثارات الحسين"، وكل شيء يوحي باستحضار البعد الديني في التصادم، والصورة التي نشرها خامنئي من الناحية الفنية هابطة وتصور الحسين محارباً يرتدي الخوذة وبين يديه سليماني يأتي كطفل، تمزج الدنيوي بالديني والتاريخي بالراهني من اجل الزخم العقائدي. كأن مراد خامنئي القول إن من يمشي على طريق "حجي قاسم" يكون في استقباله في الجنة "سيد شهداء اهل الجنة"... وفي صورة اخرى بدا سليماني واصلا الى الفردوس وحوله مجموعة من قادة الثورة الايرانية الغائبين ترتسم على وجوههم الابتسامات...

وكتبت الدكتورة لمياء البراهيم: "استخدمت السياسة الإيرانية في عهد الملالي الربط الشرطي بينها وبين الطائفة لتعزيز امتدادهم كقادة وحماة المذهب الشيعي والممهدين لدولة المهدي المنتظر"...   

ونشر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، صورا للمسيح يحتضن الرئيس دونالد ترامب، رداً على الصورة التي نشرها موقع المرشد الإيراني، وتظهر احتضان الإمام الحسين لقاسم سليماني. لكن الصورة التي يتداولها النشطاء لترامب والمسيح ليست جديدة فقد سبق أن برزت في عيد الفصح عام 2017 ونشرتها صفحة مزيفة على "فيسبوك" باسم "تيفاني ترامب" وفقا لموقع "بز فيد"، بتقرير نشره في أبريل2017، وأثارت حينها جدلا واسعاً في الأوساط الأميركية.



ولا يُستغرب أن يكون ترامب اعطى الأوامر باغتيال سليماني انطلاقاً من أبعاد دينية، فقبل أسبوع أعاد نشر تغريدة تحمّل سلفه باراك أوباما المسؤولية عن "طرد" المسيح من الولايات المتحدة. وأعرب كاتب التغريدة التي أعاد نشرها ترامب على حسابه في "تويتر" عن قناعته بأن "ترامب أرسلته السماء لإنقاذ وحماية أكثر دولة كرامة وخيراً وازدهاراً في التاريخ". وتصطحب هذه التغريدة صورة لرجل طويل الشعر وهو يمشي في طريق بحقيبتين، ويبدو أنه المسيح، مع عبارة: "أوباما طردني وترامب دعاني إلى العودة". وعلق ترامب على هذه التغريدة بالقول: "شكرا لك".

وليست هذه أول فرضية بشأن "المصدر الإلهي" لحكم رئيس الولايات المتحدة الحالي، وسبق أن أبدى وزير الخارجية مايك بومبيو، قناعته بأن الرب أوفد ترامب إلى الأرض لـ"حماية إسرائيل من إيران". وفي بداية هذه السنة الانتخابية، سعى ترامب إلى كسب تأييد المسيحيين الإنجيليين، مؤكدا لهم أن الله "يقف إلى جانبكم".


قد يتفهم المرء شيعية علي خامنئي ومسيحانية ترامب، فهما يمثلان جزءاً من تكوين المجتمعات المتناحرة من عهد الظلمات حتى الآن. لكن، في بعض المرات تأخذنا الدهشة ببعض الأسماء الثقافية، نتيجة اعتبارات ومواقف من السياسات البائسة، وفجأة نكتشف غرقهم في الاعتباطية في التوصيف واخد المواقف الهلامية والمخيبة التي ترى الأشياء بعين واحدة ومن جانب واحد، فالمخرج الأميركي مايكل مور وجه انتقادات شديدة اللهجة لحكومة بلاده على اغتيالها قاسم سليماني، هذا أمر جائز في كل المجتمعات، لكن مايكل مور اليساري، صاحب أوسكار والسعفة الذهبية (الجائزة الأولى في مهرجان كان) كتب على صفحته في "فيسبوك" ما يشبه المتاهة في الميتولوجيا الدينية والهويات الغابرة، ربما بحثاً عن مسوغ سينمائي جديد في إطار سلسلة انتقادات يوجهها الى قادة البيت الأبيض، وهذه المرة يلعب على وتيرة الأسطورة الدينية والتلاقي الفارسي (المجوسي) المسيحي، اذ تطرق إلى الإنجيل، مشيراً إلى أن المجوس الثلاثة الذين جاؤوا من المشرق بهدايا إلى السيد المسيح عقب ولادته كانوا من غرب الدولة الفارسية. ولا أحد يفهم من المخرج اليساري ما دخل اغتيال قاسم سليماني بهكذا قصة، وهل يسعى الى تسويق فكرة فيلمه الجديد من خلالها، وهو المعروف بمناهضة سياسة ترامب والبيت الأبيض. 

يطلق مور ما يشبه المفرقعات السياسية والثقافية، فيذكر أن أتباع المسيح في الولايات المتحدة "ردوا الجميل" إلى الإيرانيين في العقود الأخيرة، بتدبير انقلاب عام 1953 و"استبدال رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا (محمد مصدّق)بالدكتاتور القاسي شاه إيران"، ثم بتزويد نظام  صدام حسين في الثمانينات بأسلحة الدمار الشامل ليستخدمها ضد الإيرانيين، ثم بغزو العراق ما شكل خطراً جديداً على إيران"، لكن مايكل مور لم يكمل تحليلاته الركيكة والاعتباطية، وغلب منطق الشعارات على الوقائع والاحداث، لم يتحدث عن سلوك إيران في منطقة الشرق الاوسط، وأعار اهتماماً خاصاً فقط لسياسات إدارة ترامب تجاه إيران، وقال: "بعد عدة سنوات مزق رئيس أميركي جديد، اعتمادا على قاعدته الإنجيلية، الاتفاق النووي مع إيران وفرض عقوبات عليها لجعل حياة شعبها بائسة" وهنا يطرح السؤال هل المشروع النووي الايراني مدرسة للأيتام أو جمعية بيئية؟... وفي ما يتعلق باغتيال سليماني، وصف مور الجنرال الإيراني بأنه كان "أحد زعماء الدولة ومناضلاً ضد فاعلي الشر الذين يدعون أنهم مسيحيون"، هنا وقع القول. هذه التغريدة حظيت باهتمام كبير من مناصري النظام الايراني، خصوصا على موقع تويتر، وبعضهم اعتبرها مقدمة لزلزال في اميركا.

لا ندري ما معيار النضال بالنسبة إلى مايكل مور؟ ومن أي زاوية يحدّد الشر؟ هل الهدف الشعبوية فقط؟ لنتذكر أنه في عام 2015 قال مايكل مور إنه يفتح بيته أمام أي اسرة سورية نازحة تسمح لها السلطات الاميركية بالدخول. تاريخ القول ليس ببعيدٍ ومتوفر على مواقع الانترنت... هل يعلم مايكل مور من كان سبباً في التهجير الجماعي للسوريين من مدنهم وقراهم؟ هل كان المدنيون منهم من فاعلي الشر حتى أصبحوا في شتات الأرض؟ هل يعلم مور بالملف السوري جيداً أو غير من الملفات العالقة في الشرق الأوسط؟ وهل يعلم أن سليماني كان يتجول في المدن السورية المدمرة وكأنه يتجول في بيته، وهو الذي كان يشرف على المعارك والتهجير؟ هل يعلم مور بهوية الرصاص الذي قتل المتظاهرين العراقيين ضد الفساد؟ هناك مئات الاسئلة التي يمكن طرحها على مايكل مور وهو الذي يحب الافلام الوثائقية والحقائق، وفي الوقت نفسه يبدو ايديولوجيا، عقارب ساعته لا تشتغل إلا ضد البيت الأبيض، من دون أن يخوض غمار البحث عن النسخ الشبية به... وهو بشكل من الأشكال يغرق في البروباغندا الشخصية الضدية، كأنه يتأثر بهوبرات ترامب نفسه. 
 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024