لماذا يستحق مصطفى سعيد جائزة آغا خان؟

حسن الساحلي

الأحد 2019/04/07
لا تكمن أهمية الفنان المصري مصطفى سعيد فقط في كونه موسيقياً ومؤلفاً وعازفاً بارعا على العود، بل أيضاً لأنه فنان نشيط استطاع أن يخلق حالة ضمن مجال الموسيقى الشرقية في العالم العربي، من خلال مشاريع عديدة أهمها مجموعته "أصيل" (تأسست في العام 2003) التي خرّجت موسيقيين متنوعي الأهواء ضخوا دماءً جديدة في المشهد المحلي اللبناني والعربي، ونسمع بمشاريع جديدة لهم كل فترة وأخرى، بالإضافة لعمله في قسم الموسيقى في الجامعة الأنطونية مع نداء أبو مراد، وإدارته مؤسسة Amar للتوثيق الموسيقي (أسسها كمال قصار وتتعاون مع مؤسسة الشارقة) التي أعادت الإعتبار لجزء من التاريخ الموسيقي العربي المهمل عن طريق الحفظ والترويج (تدعم برنامجه الإذاعي "روضة البلابل" الذي يهدف للتعريف بالموسيقى الشرقية وأهم أعلامها).

من زاوية هذا النشاط المتنوع الذي ترك أثراً واضحاً من حوله، يكتسب سعيد أهميته التي تجعله جديراً بالحصول على الجائزة (عن فئة الأداء)، خاصة أن نشاطه يأتي في زمن تعيش فيه الموسيقى الشرقية تدهوراً كبيراً من حيث الكمية والنوعية في بلد يعاني جزء كبير من سكانه أزمة مع هويتهم العربية، كما يأتي من فنان يتبنى موقفاً فنياً وإيديولوجياً ضرورياُ اليوم ومتناقضاً مع السائد ضمن الإنتاج الشرقي "الجاد" في لبنان الذي يسيطر عليه طابع "المزج" ويعجز عن الخروج من عباءة الموسيقى الكلاسيكية الغربية، وهو يشكل استمرارية لمنطق الصوت الواحد الذي فرض يوماً "من قِبَل سلطات أرادت إنشاء وحدة عربية على أنغام سيمفونية" وفق كلمات سعيد.
أخطر ما في هذا الجو الموسيقي المسيطر، في جزء كبير من المعاهد المحلية ويقع سعيد على نقيضه، أنه لا ديمقراطي بطبيعته، يحتقر الموسيقى الشعبية ويعاني من أزمة مستمرة مع الذات والهوية، وعدم اعتراف بجميل التراث الديني الغني الذي لا يزال مستمراً بأشكال مختلفة. هو جيل "الشهادات" وفق سعيد يريد تحميلنا ألف جميل لأنه موجود وبأنه يحمل مفاتيح التطور بسبب بنائه الجسر بين الموسيقى البدائية والحداثية، وسينقذ العالم الإسلامي بملائكيته من التخلف والإرهاب.

بعكس هؤلاء يتبنى سعيد القادم من عوالم الإنشاد الديني، رؤية متصالحة مع الذات والتراث وجدت نفسها في صراع مع طبقات الإحباط المتراكمة خلال القرن العشرين التي أجبرتنا على نسيان وإهمال موسيقى عظيمة كانت سائدة في القرن التاسع عشر، حيث يحاول باستمرار إشاعة هذا التصالح بين تلاميذه ومريديه، من دون أن يكون سلفياً، فموسيقاه "معاصرة" في تعريفها، تنزع أحياناً إلى التجريبية ويمكننا إيجادها في مهرجانات الموسيقى العربية، التجريبية، والمعاصرة في آن، وهي بحسب ما يقول أحد أعضاء فرقة أصيل عنها: "الوحيدة التي تعتبر في الوقت نفسه عربية مئة في المئة وجديدة مئة في المئة". 
ورغم نزوع لا مفر منه للنخبوية أحياناً، لا يعاني سعيد من أزمة الشرعية التي تواجه الموسيقيين الشرقيين الآخرين في لبنان، فقد رددت الجماهير أغانيه في ثورة يناير المصرية (أهدى ألبومه الأخير "توحد" للناشط في الثورة المصري علاء عبد الفتاح الذي خرج منذ أيام من السجن)، وهو يدفع ثمن موقفه من خلال منع موسيقاه في مصر. يكمل سعيد نشاطه في لبنان مثل عدد لا بأس به من الفنانين المصريين الذين يضيفون إلى المشهد الفني المحلي الكثير، كما أضاف قبلهم بعض الموسيقيين السوريون الذين أجبروا على الخروج لاحقاً بسبب العنصرية اللبنانية المقيتة. 

(*) مصطفى سعيد مؤلف وعازف وباحث موسيقي مصري ولد في العام 1983 وأسرته من مدينة طنطا وتأثر صغيراً بالإنشاد، تخرج في "بيت العود" على يد الفنان العراقي نصير شمّة، يعتبر أن "كلّ شبقٍ يُطفأ ويزول بإشباعه، إلّا شبق النغم، فكلّما أُشْبِع نما وزاد اشتعالا"... حصل على جائزة آغا خان للموسيقى التي تعتبر من الجوائز العريقة في عالم الموسيقى الشرقية(2019)، ويقدم في كاتالونيا ورشة عمل للعود العربي والشرقي في الفترة من ١٨ الى ٢٢ أبريل/ أبريل ٢٠١٩، ويحيي حفلة مع إركان اور ودريا تركان في ٢٠ من الشهر نفسه.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024