مهرجان برلين السينمائي في دائرة التعثر والنقد

شفيق طبارة

الإثنين 2019/02/11
في برلين، ومن مهرجانها بدأ الموسم السينمائي للعام 2019. البرليناله في نسخته التاسعة والستين، سيكون النسخة الأخيرة التي يشرف عليها ديتر كوسليك، الذي يختتم عقدين في سدّة رئاسة المهرجان مع انتقادات له حول تدنّي الجودة الفنية للمهرجان. 17 فيلماً تتنافس على جائزة الدب الذهبي لأفضل فيلم وجائزة الدب الفضي وغيرها الكثير. أمّا مهمّة انتقاء الافلام الناجحة، فهي على عاتق الممثلة الفرنسية جولييت بينوش، رئيسة لجنة التحكيم، وزملائها الستة.

فيلمان افتتحا اليوم الأوّل للمهرجان، البداية مع فيلم الدنماركية لونه شيرفك "طيبة الغرباء" والثاني للصيني وانغ غوان أن." Öndög"...


"طيبة الغرباء": دفء الإنسانية الخانق.
كيف لمهرجان يتعرض لانتقادات حول ضعف الأفلام وتدني الجودة الفنية أن يفتتح بفيلم بهذا السوء! شيرفك قدمت في فيلمها مديحاً مبالغاً فيه للإنسانية. الفيلم ينبثق من الإيمان بالخير داخل الإنسان، ميلودراما دبقة من كثرة السُّكر الذي فيها. مصائر غرباء تترابط بطريقة استفزازية غريبة غير قابلة للتصديق، مجرد صدف تتراكم فوق بعضها البعض لإتمام وترسيخ اسم الفيلم في عقولنا. فيلم لا يحمل أي شيء، آمن للغاية ويُراد منه أن يكون مقبولاً في إطار لطيف ومباشر، لكنه وقع في فخّ الأمان والرتابة.

أقدار الغرباء تلتقي في مانهاتن، التي هربت اليها كلارا (زوي كازان) من قسوة وبطش زوجها ريتشارد (اسبن سميد). تصل إلى نيويورك مع ابنيها أنتوني (جاك فولتون) وجودي (فينلي فويتك - هيسونغ) فارغة الوفاض، لا مال في جيبها ولا مأوى ينتظرها. نبدأ من معاناة الخطوات الأولى، تتخذ الشارع مأواها، هنا أمان أكبر من جدران احتوت تعنيفها، تنام في سيارتها وتسرق لتأكل. لكن المدينة الباردة الكبيرة رحيمة: خلال البحث عن ملجأ تبدأ الصدف السعيدة وتمطرها طيبة الغرباء. بينما يلاحقها الشرطي ريتشارد، تلتقي بأشخاص كثرٍ يساعدونها: الشاب مارك (طاهر رحيم)، المحامي جون بيتر (جاي باروخيل)، الممرضة أليس(أندريا رايسبورو)، مالك المطعم تيموفي (بيل نيغي) وغيرهم من الناس الذين يجتمعون ليثبتوا "طيبة الغرباء" عنوان الفيلم. سرعان ما يتخذ مطعم "قصر الشتاء" مركزاً لمواجهات غير متوقعة بين أشخاص مأزومين جمعهم المصير الآن.

يروي الفيلم قصة الخير الذي في الانسان، وكيف لهذا الخير أن يضيء الدرب الشخصي ودروب الآخرين. طريقته تفتقر إلى الواقعية وهي فرضية وإجبارية. شخصياً واجهت صعوبة جمّة في تصديق الأحداث والأقوال والأفعال التي ترتبط بشخصيات غريبة عن بعضها، التحدّي الفعلي هو بقبول مسارات الشخصيات وصدفها على امتداد الفيلم. حتى إنني سألت نفسي هل هذا فيلم سوريالي! قد تستغربون لكني أشكر شيرفك على تفصيل صغير، على الانطباع الغريب والجديد الذي تركه فيلمها، شعور التشاؤم من فرط الإيجابية.


Öndög (بيضة بالمنغولية): العودة إلى العصر الحجري 
بعد استراحة طويلة (8 سنوت)، عاد وانغ غوان أن الصيني إلى أرض برلين لتقديم أحدث أفلامه في المسابقة. في العام 2007، حمل المخرج الدب الذهبي عن فيلم "زواج تويا". هذه المرة رهانه مختلف، يأخذنا إلى السهوب المنغولية، إلى قلب أسطورة من خلال جريمة قتل. هناك فتاة ميتة في هذه السهوب، عارية ملقاة على بطنها وجسمها الذي يندمج مع العشب والجليد المحيطان بها. باكتشاف الجثة يبدأ السرد، وصلت مجموعة صغيرة من رجال الشرطة إلى مسرح الجريمة ولكن سرعان ما تعيّن عليهم المغادرة، تاركين وراءهم شرطياً عديم الخبرة يبلغ من العمر ثمانية عشر عاما (وروفسامبو باتمونخ) لتولي مسؤولية حماية الجثة ومسرح الجريمة، وسوف تساعده راعية تلقب بـ"ديناصور" (دولامجاف انختفيان) تعرف المنطقة جيدا لابقاء الذئاب بعيدا. على الرغم من أنهما سوف يفترقان عند الفجر عند عودة الشرطة فإن اجتماعهما سيخلق رغبة بينهما في إطار مكاني غير مضياف مثل السهوب.

الفيلم مجنون من الجهة البصرية، أكثر وانغ من استخدام ضوء الشمس، المناخ القاسي البارد في الليل، فجاجة الطبيعة بطريقة باهرة. اكثر ما في فيلم الصيني قساوة المشاهد وحدّتها، وقد تُستصعب مشاهدتها. قساوة تسيطر على الشخصيات أيضاً، من خلال اكتشاف الجثة وتحقيقات الشرطة المضحكة وغير الكفوءة، يشرح وانغ أسلوب وإرادة حياة امرأة وحشية ومستقلة لا يستطيع أي رجل ترويضها فكيف بالسيطرة عليها، إلا إذا كانت تريد ذلك. يخبرنا عن عنف الطبيعة وعدائية الإنسانية للعيش. أظهر الطبيعة بطريقة فجة ولكن لم يكن مخلصا لذلك، شاهدنا ولادة بقرة ولكنه تردد في تبيان الفعل الجنسي بين رجل وامرأة، فرض علينا أن نركز أعيننا بشكل عقيم على الخراف، بينما تم استخراج الأحشاء والتلاعب بها، في المقابل الشاشة تصبح غير واضحة عندما يكون الطبيب على وشك إجراء تشريح للجثة المجهولة. اراد إلغاء الحس الإنساني والعودة للطبيعة.

الكثير الكثير من المشاهد يبدو مكرراً، وهذا منطقي لفيلم تدور أحداثه في وسط مكان غير مأهول. خيارات إخراجية كانت محدودة من المخرج، بعضها سخيف والبعض الآخر مليء باللحظات الدرامية. وعلى الرغم من أن الفيلم متخم بالثقافة المنغولية المثيرة للاهتمام والتي قد لا بعرفها كثر، لكنها ضاعت في انشغال المخرج بالطبيعة، بقصة أناسٍ نائين عن الحضارة، وبها يقنعنا بعولمة المشاعر والحالات المزاجية بين حضارت مختلفة، لكننا في كثير من الأحيان نجد أنفسنا محدقين في الأفق لدقائق طويلة أو نصغي لمحادثة مملة بين الشخصيات. لا يمكن إنكار وتجاوز الجمال في الفيلم، لكن القبول به يعود إلى الشخصانية، هل سيتغلّب المشاهد على الصدمة في البداية، ليرفع الجفون المتدلية ويستمتع بالمشاهدة؟
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024