علي فودة وسطوة محمود درويش

محمد حجيري

الأربعاء 2019/07/10
يمكن القول إن رفض الفنان "المغرور" و"النرجسي" مارسيل خليفة تقديم النشيد الوطني اللبناني على أدراج بعلبك، وتبريره الرفض بأسباب واهية، كل ذلك قدم فرصة أو ذريعة للكبير والصغير، لصاحب القلم الوضيع أو صاحب الصوت النشاز، لإعطاء دروس في الوطنية و"حب الوطن" و"لبنان الوطني النهائي". والقضية لم تكن أكثر زوبعة من الزوابع اللبنانية الفايسبوكية والاعلامية التي تستمر لساعات، وتضمحل ثمارها سريعاً، ويعود كل منظّر وناشط فايسبوكي الى قواعده (طائفته أو عشيرته او زاروبه أو دسكرته) سالماً بانتظار هفوة جديدة أو فرقيعة أخرى...

وسط هذه المعمعة، انتقد بعض الفسابكة كلمات النشيد الوطني اللبناني، وطالبوا بجعل أغنية "اني اخترتك يا وطني" نشيداً، ونسبوا كلمات الأغنية الى الشاعر الفلسطيني محمود درويش. وهذه ليست المرة الأولى التي تنسب هذه القصيدة "الغاضبة" الى صاحب "مديح الظل العالي"، وفي الحقيقة هي للشاعر الفلسطيني علي فودة، الذي يجهل بعضهم هويته، ويتماهون مع "زعامة" محمود درويش الشعرية التي "تسطو" على قصيدته. وهذه ليست المرة الأولى التي تُنسب فيها قصائد بعض الشعراء الى محمود درويش. فسبق أن كتب الراحل سمير قصير مقالاً في جريدة "النهار"، وذكر فيه أغنية "من أين أدخل في الوطن"، ونسبها لدرويش وهي للشاعر الجنوبي حسن عبدالله، وسرعان ما انتبه قصير وكتب توضيحاً واعتذر من صاحب ديوان "الدردارة". وفي العام 2015 أقرت وزيرة التربية الجزائرية، نورية بن غبريت، بخطأ سجل من قبل طلاب امتحانات البكالوريا في سؤال اللغة العربية، حيث نسبت قصيدة الشاعر السوري نزار قباني "شعراء الأرض المحتلة"، إلى الشاعر الفلسطيني محمود درويش. وحملت الوزيرة المسؤولية "لديوان الامتحانات".

مع قصيدة علي فودة، الخطأ يتكرر دورياً من دون تصحيحه، ويزيد الالتباس أن الحرب الاسرائيلية على لبنان سرقت عمر علي فودة باكراً، وبات شبه مغمور، وإن كان هناك من يكتب عنه في بعض المواقع الفلسطينية أو العربية. وعلي فودة، ولد في قرية قنير في حيفا العام 1946، وهجّر بعد أقل من عامين الى مخيم جنزور قرب جنين، وبعدها بعامين انتقل أهالي المخيم إلى مخيم نور شمس في طولكرم، وفي سن السابعة فقد أمه.. أكمل تعليمه، ودرس في معهد المعلمين في حوارة ثم في إربد، وعمل مدرساً في أم عبهرة- مرج الحمام بالقرب من عمّان.

في منتصف آب/أغسطس 1982، وفي ذروة اشتداد القصف الإسرائيلي على بيروت من الجو والبر والبحر، كان علي فودة يوزّع على المقاتلين في عين المريسة، جريدته التي أسسها مع زميله رسمي أبو علي، وأطلق عيها اسم "الرصيف". سقطت قذيفة على علي فودة فأصيب بجروح، ليفارق الحياة بعدها بأيام، ويكون من القلائل الذين قرأوا ما كتب فيهم من رثاء قبل موتهم، حيث أعلن استشهاده أو مقتله وهو حي. أما قصة قصيدته "إني اخترتك يا وطني" المغناة بصوت مارسيل خليفة، وهي أشبه بأناشيد الكشفية، فقد دوّنها الكاتب جهاد صالح في مقالة له بعنوان "علي فودة.. خبأ القنابل في دمه"، قائلاً: "عرفته عندما كنتُ قائداً لمحور (منطقة) رأس النبع في بيروت، في يده اليمنى رشاش المقاتلين، وفي اليد الأخرى مجلة الرصيف يوزّعها على المقاتلين الفلسطينيين واللبنانيين، وكان يُكثر من ذكر مخيم نور شمس، والمخيمات الأخرى، والتقيته في مطعم أم نبيل في الفاكهاني، وعندما أعلنت له تحفظي على فكرة المخيم التي بدأت تتصاعد في ظل بروز الهوية الفلسطينية النضالية، ضحك كثيراً، وقال: لا أعتبر المخيم سوى عنوان للتشرد والمنفى. ولا يمكن أن يكون وطناً لنا".

يضيف جهاد صالح: "في صيف 1977، اتصل بي الأخ هادي حاوي (الأصح نبيل حاوي، شقيق جورج حاوي وهو كان يكتب باسم نبيل هادي، ورحل قبل مدة)، وكان مديراً عاماً لصحيفة النداء الشيوعية، وأخبرني أنه سيزورني مع الفنان مارسيل خليفة. رحبت بهما، وطلبا الاجتماع مع علي فودة، لأن مارسيل وقع اختياره على نص في قصيدة علي فودة /الغضب، الفهد/ في ديوانه /عواء الذئب/. حضر علي فودة، واتفقا على اختيار مقطع: إني اخترتك يا وطني حباً وطواعية...".

ويقول صالح: "وما إن غناها مارسيل خليفة، حتى ارتفع صيت علي فودة، وعلا تصفيق الحاضرين، ما دفع بمارسيل أن ينزل إلى القاعة، ويصطحب معه علي فودة ليعلن أنه صاحب هذا النص، فعلا التصفيق مرة أخرى". لكن ومنذ سنوات، بدا كأن القصيدة ضاع صاحبها، ويستسهل بعض الفسابكة وبعض كتبة مواقع الانترنت نسبتها إلى محمود درويش، بزعم أنه واجهة الشعراء في تقديم "الشعر الملتزم"، وباعتبار أنه والسيد مارسيل خليفة كانا ثنائياً في الكثير من "المشاريع" المشتركة...

ومن دون شك أن "الزعامة الشعرية" لها دورها في "السطو" أو التأثير في دور قصائد الآخرين ونسبها. ويساعد الجمهور في تأبيد السطوة. فعلى مدى عصور، كانت رباعيات تنسب الى الشاعر الفارسي عمر الخيام، إلى أن أصبح صاحب مئات الرباعيات المزورة، وبات على الباحثين التدقيق في الأصلي والمنسوب، وذلك بسبب قوة حضور رباعيات الخيام... ولا يختلف الأمر مع أبي نواس الذي نسبت اليه عشرات القصائد الماجنة، والسبب أن شعراء مغمورين كانوا يكتبون الشعر الماجن ويخشون الرقابة والسلطان، فيقولون إنها لـ"شاعر الخمرة" صاحب الباع في هذا المجال.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024