أنا لست مجرماً بل محرج!

ديمة ونوس

الأحد 2014/03/30
"إحراج مع وقف التنفيذ"، هو عنوان المداخلة التي قدّمتها الفنانة شذا شرف الدين والزميل الصحافي روجيه عوطة. المحاكمة الافتراضية التي قدّماها ثلاث مرات، لم تأخذ حقّها في الصحافة المحلية أو العربية. ربما يكون شخص الوزير ميشال سماحة هو السبب وراء ذلك التجاهل، أو أن مجتمعاتنا ليست معتادة فعلاً على النقد والمحاسبة القانونية. إلا أن تلك الجلسات الثلاث والأخيرة كانت قبل يومين، تشير إلى أن شيئاً ما يحدث في هذه المدينة التي تبدو متواطئة مع جراحها وأزماتها. شيء غير المسرح والسينما والغناء وغير القتل أيضاً والاغتصاب والتفجيرات. ثمة شذا وروجيه، اللذان اخترعا لنفسهما ولنا عالماً موازياً يستدعي التأمّل ومغادرة المساحة العادية للأشياء إلى مكان أرحب قد تكون العدالة هي عنوانه العريض.
 
"عندما ألقي القبض على ميشال سماحة في 9 آب 2012، كانت صدمة كبيرة بالنسبة لي. للمرة الأولى، يلقى القبض على سياسي بالجرم المشهود. ثمة استثنائية حرّكت في داخلي فضولاً لمتابعة القضية من اليوم الأول إلى حين تسريب محاضر المحاكمة لصحيفة الجمهورية"، تقول الفنانة شذا شرف الدين التي عملت مع روجيه عوطة على كتابة وتقديم تلك المداخلة ثلاث مرات بين الرابع من كانون الثاني والثامن والعشرين من آذار الجاري. ما لفتهما في المحاضر، يبدو أنه لم يلفت الكثيرين، أو أن القضية مثلها مثل غيرها من القضايا، باتت منسيّة. ألقي القبض على الوزير ميشال سماحة وحدثت ضجّة إعلامية ورأى الكثيرون أن القضية أخذت حقها من التفكير والدهشة. 
 
المفردتان اللتان أثارتا شذا وروجيه للخوض في هذه المحاكمة الافتراضية هما: الإحراج والمسايرة. "عندما قرأت المحضر الأول، صدمت بإجابة سماحة إذ يقول: أحرجت، فقبلت! وفي مكان آخر عن علاقته بالعميل المزدوج ميلاد كفوري، يقول: مشيت معه من باب المسايرة! غريب أن تبرّر جريمة من هذا النوع بالإحراج والمسايرة. ثمة فيديو وتسجيلات. أمسكوا به بالجرم المشهود، أي أنه لا يستطيع النكران. وهو اعترف بجريمته. إلا أن ما لفتنا إلى جانب الإحراج والمسايرة هو جملة ثالثة يقولها سماحة إن هذا ليس من تفكيره!"، تشرح شذا ل"المدن" عن آلية عملها مع روجيه وعما دفعهما للقيام بتلك المحاكمة الافتراضية محاولين قدر الاستطاع عدم الخوض في السياسة. وهما منذ قرّرا العمل على تلك المحاكمات، كانت الشخصيات الثقافية هي الهدف وليس السياسية. ببساطة لأن "في الثقافة، ليست المحاكمات تقليداً شائعاً. لا أحد يحاكم في الثقافة". 
 
ومع أن المحاكمات الثقافية كانت خيارهما، إلا أن قضية ميشيل سماحة أغرتهما لما تشكّله من "حالة تدرّس. شخصية سياسية مهمّة تخطّط لارتكاب جريمة من باب المسايرة والإحراج!". في المقابل، ليست تلك المحاكمة الافتراضية أمراً سهلاً. إذ "كيف باستطاعتنا محاكمة شخص خاضع لسلطة القضاء؟ أي أنه ليس حرّاً طليقاً". من جهة أخرى، هذا الشخص "مدان قضائياً. لكنه برّر جرمه بالإحراج. وإن افترضنا أنه كذلك فعلاً، فالإحراج يشلّ إرادة الشخص فيصبح تابعاً لإرادة معطّلة. وقد استندنا روجيه وأنا على كتاب "إيخمان في القدس" لحنّة آرندت التي تحدثت عن "عادية الشر" وكيف أن من يرتكبه قد لا يكون شريراً بالكامل. قد يكون شخصاً عادياً". إلا أن المحاضر التي سرّبت إلى الصحافة، تنفي ذلك الشلل في الإرادة والتفكير. لأن سماحة "فكّر بالإحراج كذريعة! وبالتالي هو قادر على التفكير. أي أنه عندما كان يخطّط لتنفيذ جريمة سياسية لم يفكّر بالآخرين. اعترافاته وسلوكه في المحاضر المسرّبة توضح أنه ليس مشلول الإرادة وأنه يحاول الدفاع عن نفسه وتبرير جريمته بالإحراج الذي يبدو سلوكاً مقبولاً وشائعاً في المجتمع اللبناني". 
 
ذلك الإحراج الذي تذرّع به ميشيل سماحة، يبدو بالفعل ذريعة كافية للبعض لارتكاب كل أنواع الجرائم، صغيرها وكبيرها. ويبدو أن المجتمعات العربية، لا تخلو من تلك المفردة كدافع للسلوك ومحرّك لبذل التنازلات. وقد يكون تعليق أحد المحامين وكان حاضراً في الجلسة الأولى التي أقيمت بتاريخ الرابع من كانون الثاني، خير دليل على أرضية الإحراج الراسخة في الذهن والتي يبنى فوقها سلوك عام يخطئ من باب الإحراج والمسايرة. إذ سأل المحامي إن كان باستطاعة محاميي الدفاع عن ميشال سماحة "الاستعانة بتلك المحاكمة الافتراضية، للدفاع عن سماحة والتخفيف من ذنبه!". 
 
بعد كل جلسة من تلك الجلسات الثلاث، كان يدور نقاش بين شذا وروجيه والحاضرين. ويبدو لافتاً أن الكثير من الحاضرين وهم من شرائح معنية بالثقافة والسياسة بالتأكيد، ظنّوا أن الهدف من وراء تلك المحاكمة هو التخفيف من جرم ميشال سماحة. وكأن شذا وروجيه يبرّران فعلته تلك من خلال إلقاء الضوء على وضعه كإنسان محرج. "بالعكس تماماً، لقد استخدمنا "أنسنة" ميشال سماحة كفخّ. وقد بالغنا بالحديث عنه كإنسان لديه عائلة وزوجة ويقود سيارة بعينها ويحبّ نوعاً معيناً من الطعام، لهذا الغرض"، تشرح شذا الآلية التي بني عليها نصّهما والعمل الذي قدّماه مستعينين بصور توضيحية لم تكن عبثية ولا للحظة واحدة. بل قدّمت جرعة ساخرة ودعمت نصّهما وأثارت الضحك في كثير من الأحيان. 

5-christians-copy-copy-(1).jpg
  من الصور المستخدمة في العرض-المحاضرة

 
"أكثر ما أسعدنا روجيه وأنا هو النقاش الذي كان يدور بعد الانتهاء من تقديم المداخلة. ومعظم تلك النقاشات ركّز على فكرة الإحراج. علاقة كل شخص بالإحراج. ليست المداخلة مجرّد نقد لميشيل سماحة، بل أيضاً لمجتمع يصاب بالإحراج في كثير من المواقف فيقوم بما لا يرغب بالقيام به، وأحياناً، يتعدّى الأمر الرغبات، فيصل حدّ ارتكاب جريمة سياسية كما هو الحال مع قضية سماحة". 
 
في المقابل، هل يمكن لأحد أن يدّعي أنه على دراية كاملة بما حدث مع ميشيل سماحة؟ ليس التعامل مع نظام الأسد وأجهزته الاستخباراتية، كالتعامل مع أي كان. وإن حاولنا جاهدين، العثور على شبيه لبناني لأحد رؤساء أجهزة المخابرات السورية، سنعجز كلية. ليس ثمة شبيه لهم ولا مرادف، إنهم نسخ محدودة وحصرية، لا سبيل للعثور على مثيل لهم. هذا ما يدفع المراقب في بعض حالات التأمل، إلى شرح معنى الإحراج الذي تحدّث عنه سماحة. ليس للإحراج معنى واحد فقط في حالته تلك. قد يكون الإحراج خوفاً وهلعاً واستسلاماً لتهديدات بتصفيته. من هنا، تكتسب فكرة التعاطف صعوبة تتعلّق بالضمير وبالعدالة أيضاً. ربما يكون ميشيل سماحة خائفاً وليس محرجاً! "الحقيقة موجودة في التسجيلات. وفي التسجيلات لا يمكنك التعاطف معه"، تشرح شذا مضيفة أنها عاشت ربما لحظة تعاطف واحدة أثناء قراءتها لتلك المحاضر. لكنه تعاطف عبثي لأنه مبني على تخيّلها لموقف سماحة وهو يعترف. "تخيّلته يسبح في عرقه من شدّة الخجل والإرباك وهو يعترف بجريمته من دون مقاومة أو نكران". إلا أن تلك اللحظة العابرة من التعاطف لا تسرق شذا شرف الدين طويلاً. "ليست قضية سماحة قضية هذه اللحظة. والتعاطف معه يعني التعاطف مع ثلاثين سنة من التعامل مع نظام قاسٍ وفاسد ويقمع شعبه".

8-roger-photo-by-talal-khoury-(1).jpg
روجيه عوطة بعدسة طلال خوري

بعد تلك المحاكمة الافتراضية، تعمل شذا بالتعاون مع روجيه على مشروع جديد يضجّ أيضاً بالغرابة وبمساحات تأمل تساعدنا على العيش. "مشروع تأجير لبنان لمئة سنة للنروج". لبنان الذي لا تنقصه الطاقات ولا الإمكانيات الفكرية والثقافية، يفتقر سكّانه إلى السعادة. "اخترنا النروج لأنه بلد بعيد ثقافياً وسياسياً وليس ثمة أي حساسية سياسية تؤرق العلاقة بين البلدين أو الشعبين. نعطيهم النفظ ليستثمروا به، وفي المقابل تدير البلد "إدراة نرويجية"، تحوّله إلى بلد حقيقي". 
  
 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024