"بيكاسو والعائلة" في بيروت.. رغم أنه أسوأ الآباء سُمعة

حسن الساحلي

الجمعة 2019/09/27
للمرة الأولى، تزور أعمال الرسام الإسباني، بابلو بيكاسو، بيروت، في معرض تحت عنوان "بيكاسو والعائلة"، من تنظيم "متحف سرسق" وبدعم من زوجة المصرفي السويسري من أصل لبناني ادغار بيتشيوتو (برعاية وزارة الثقافة ومتحف "بيكاسو باريس" وبتنسيق من ياسمين الشمالي). 

يركز المعرض على جانب من حياة الفنان، لا يتم التطرق إليه كثيراً في المعارض التي تتمحور حول أعماله، والسبب يرجع إلى السمعة السيئة التي يتسم بها بيكاسو من ناحية علاقته بأفراد عائلته، إذ بقي لسنوات طويلة قبل وفاته، رافضاً كلياً رؤيتهم. أما النساء اللواتي ارتبط بهن، فجميعهن ما عدا واحدة (فرانسوا جيلو التي بادرت إلى الانفصال عنه بعكس الأخريات)، تأثرن بشكل سلبي بالطريقة التي كان يراهن فيها، وقد انتحرت آخر زوجاته بعد، سنوات قليلة على وفاته لأسباب يقال إنها مرتبطة به.

لكن من الناحية الفنية لا يمنع هذا أن الفنان تناول موضوع العائلة بشكل واسع، وأنها شكلت نواة لأعماله. وفي حال ألقينا نظرة على الحقبات الفنية التي مر بها، يمكننا العثور على تيمة الأم والإبن في جميعها، بدءاً من الواقعية التي وسمت الفترة الأولى من حياته عندما كانت والدته وأفراد عائلته موضوعاً أساسياً له (فترة المعهد الفني)، مروراً بالإنطباعية والتعبيرية التي صوّرت العائلات بفقرها وجوعها (المرحلة الزرقاء)، حيث يبدو الأطفال كائنات بريئة وضحايا لظلم العالم.



أما عندما دخل الفنان مرحلة تكوين عائلة خاصة، بعد زواجه الأول بالراقصة من أصل روسي أولغا كوكلوفا التي أنجبت له ابنين (سبق أن قُدم معرض خاص في بارس للوحات بيكاسو التي تناولتها)، فتطرق للتيمة، لكن هذه المرة من زاوية ذاتية تستلهم واقعه، وبأسلوب نيو- كلاسيكي صوّر الأطفال بطريقة "لا زمنية" وأثيرية، وعلاقة الأم والإبن بشكل شبيه للوحات الكلاسيكية التقليدية. لكن تبقى الفترة الأهم من حياة الفنان، من الناحية العائلية، هي فترة زواجه من فرانسوا جيلو التي كانت تصغره بأكثر من أربعين عاماً (كان في الثالثة والستين أما هي فكانت في الواحدة والعشرين)، إذ رسم عدداً ضخماً من اللوحات التي تتمحور حول أولادهما، وتتصف بأسلوب لعوب ومتحرر من ثقل النمط. وقد برزت خلال هذه الحقبة "صورة الرجل المأخوذ بالأبوة، والمنطبع بيوميات الأم والطفل كما نرى في منحوتة "المرأة مع عربة الأطفال" ولوحة "الرسام والطفل". ويمكن اعتبار البورتريهات التي صورها لأبنائه في هذه المرحلة، من أيقونات صور الأطفال في تاريخ الفن بشكل عام (مع العلم أن الفنان صور أولاده بشكل عام فقط خلال طفولتهم، وامتنع عن تصويرهم في الفترات اللاحقة، والإستثناء الوحيد هو ابنته مايا ربما لأنها الوحيدة التي بقيت على تواصل معه).

من ناحية علاقته بالنساء اللواتي ارتبط بهن، فهناك طبعأً بورتريهات لكل منهن، لكن تبقى الأكثر عدداً وتنوعاً بينها من ناحية النمط، تلك التي تصور زوجته الأخيرة جاكلين روك (أطلقت النار على نفسها بعد سنوات قليلة من وفاته). أما الأقل شهرة، فهي التي تصور فرانسوا جيلو. تبرر الأخيرة ذلك بطريقة مثيرة تعطينا فكرة عن علاقة بيكاسو بنسائه بشكل عام: "أعتقد أن سبب عدم شهرة اللوحات التي تصورني، يعود لأني كنت بعيدة المنال ولم أفضح داخلي له، بعكس دورا مار مثلاً، التي تظهر في إحدى اللوحات وهي تبكي بشكل دراماتيكي وتقدم لوحاتها نموذجاً يتصف بالأصالة عنها وترتديها بشكل كلي. أما لوحاتي فلم تكن علباً اتموضع فيها، ولم أعرّف نفسي بالإعتماد عليها، كما فعلت الأخريات اللواتي رأين أنفسهن من خلالها، ولذلك عند توقف بيكاسو عن رسمهن وجدوا أنفسهم أمام باب مغلق".

تبقى مفارقة المعرض أن اختيار الموضوع لا يعود لأسباب مرتبطة بالفنان وحده، بل لأسباب مرتبطة بما يصفه المنظمون "اكتساب العائلة أهمية كبيرة للمجتمع في لبنان"، وهو تبرير تسطيحي وغير معتاد من إدارة المتحف. لكن يبدو أن الأخير يتعاطى مع هذا المعرض بطريقة مختلفة عن المعارض السابقة، حيث يحاول استغلال الحدث من أجل جذب شرائح شعبية لا تزور المتحف عادة (يعتبر توجه المتحف نخبوياً بشكل عام، رغم ادعائه عكس ذلك). وقد تردد على ألسنة المنظمين مرات عديدة أنهم يحاولون دفع المدارس والفئات العمرية اليافعة بشكل خاص من أجل زيارتهم، وغالباً لن تكون هذه مهمة صعبة بوجود اسم مثل بيكاسو، يعتبر الرسام الأشهر في العالم.

(*) يفتتح مساء اليوم 27 أيلول، يستمر لغاية 6 كانون الثاني/يناير 2020. ويتضمن رسوماً ونقوشاً ولوحات ومنحوتات، قدمها بيكاسو على مدى عقود في مسيرته.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024