تبين الشهادات الضحايا، أن غالبية النساء قد وصلن إلى ملهى شي موريس، بعد أن قدمت لهن عروض عمل في مطاعم في بيروت. (روبا، ونهلة) من اللاذقية، وحين وصلتا إلى المكان اكتشفتا أن العمل يتعلق بالدعارة، وعلى الفور منعتا من المغادرة، ومن ثم تعرضتا للضرب والإيذاء والتهديد في حال المغادرة. أما (لانا) فقد باعها رفيقها إلى أصحاب الملهى بعد أن خلصها من زوجها الذي كان يشغلها بدوره في الدعارة، أما (نور) فقد عاشت هذه التجربة لتسعة أيام قبل أن تداهم الشرطة المكان، تخبر (نور) أن استقبال الزبائن كان يستمر من التاسعة صباحاً، إلى السادسة صباحاً، تقسم فيه الفتيات إلى فوج صباحي وفوج مسائي يتناوبن مجبرات على خدمة الزبائن.
يستغرق العرض في تفاصيل الإستغلال الجنسي للنساء، ذلك بغاية توضيح الصورة لذهن المشاهد، ونقل ما أمكن المعاناة التي خضعت لها الفتيات المستغلات. لا خروج إلى الشارع، ضرورة إرضاء رغبات وانحرافات مشتري الجنس مهما كانت ومن دون حدود، هناك عقوبات بالضرب والإيذاء تتعرض لها الفتيات اللواتي لا يلبين فانتسمات الزبائن المنحرفة. عليهن مجرد الخضوع، والتصرف كعاهرات، وعليهن تقبل هوية الداعرة التي يفرضها عليهن صاحب العمل، عليهن تسليع الجسد بالكامل وإيصال مشتري الجنس إلى النشوة خلال أقصر فترة زمنية ممكنة لتتمكن من استقبال أكبر عدد من الزبائن.
تروي الفتيات عن أدوات التعذيب المستعملة هناك الكرباج، باص الضيعة، وهو عبارة عن كرسي مخصص تصميمه للتعذيب الجسدي، الفراشة وهي طريقة الصلب على طاولة لضرب النساء. عدا عن حالات الإغتصاب الممنهجة التي تكون الغاية منها تحطيم البواطن النفسية والذهنية لدى الفتيات. يقول صاحب الملهى للفتاة: "قولي أنك قحبة، قحبتي أنا، حتى إن كان عندك بنت، كمان هي قحبة، قحبتي لي".
استقبال للزبائن بلا توقف على مدار ساعات اليوم، على مدار أيام الإسبوع، لا أعذار جسدية أو مرضية للتوقف، في حال نزيف الدورة الشهرية تجبر الفتيات على وضع قطن في فروجهن تمتص الدماء. عند الحديث عن الآثار الجسدية لهذا النوع من العبودية، تتكشف شبكة من الفساد أكبر تتعلق بهذه الجريمة، هناك الطبيب والممرضة اللذين يتم اللجوء إليهما في حال وجود حالة حبل، أو في حال الأمراض، حيث يرفض العديد من الزبائن إستقبال الواقي الجنسي، مما يؤدي إلى نشوء الأمراض في أجساد الفتيات. اعترف الطبيب الذي تتعامل معه هذه الشبكة، بإجراء 200 عملية إجهاض لصالحها، وأخبرت الفتيات أنهن خضعن لعميات بالليزر حين اكتشاف الأمراض التي أصابت أجسادهن مع الممارسة الجنسية.
زبون الدعارة الحلقة المخفية
لا يتوقف العرض عند حدود عرض شهادات الضحايا وإطلاع المتلقي على حالهم النفسي والذهني، وإنما يمتد محاولاً معالجة الظاهرة، مساءلتها على المستوى القانوني والإجتماعي والأخلاقي، وهنا يسلط العرض الضوء بذكاء، على دور "الزبون" أي مشتري الجنس، يستعمل وصف "الزبون" في تقارير المنظمات الإنسانية المختصة، في التقارير القضائية، وأيضاً من قبل الفتيات المستغلات في شهاداتهن.
يركز العرض على أن زبون الدعارة هو الحلقة المخفية على الدوام، التي لا يتم الحديث عنها. فإن كان في هذه القضية عدد الأفراد الذين يديرون شبكة الدعارة لا يتجاوز الثلاثة، فإن الزبائن من مشتري الجنس يعدون بالآلاف، فماذا عنهم؟ ولماذا لا يتم التطرق إلى دوره؟، من هنا يأتي عنوان المسرحية "لا طلب لا عرض"، وهي قاعدة اقتصادية تبين أنه من دون الطلب، أي الزبون، لن تستمر شبكات الدعارة والإتجار بالبشر بأعمالها.
ما يقوله مشترو الجنس
اهتمت منظمة "كفى" بهذا الجانب، وأصدرت في العام 2014 تقريراً بعنوان:
"استكشاف الطلب على الدعارة: ما يقوله مشترو الجنس الذكور حول دوافعهم وممارساتهم وتصوراتهم"، من إعداد: غادة جبور. كان هذا التقرير واحداً من الوثائق التي اعتمدت عليها المسرحية في معالجة الظاهرة، يبدأ التقرير بالعبارة الإفتتاحية التالية: "لو لم يكن هناك طلب من الرجال على الممارسات الجنسية المدفوعة، لما وجد كل من الدعارة والإتجار بالأشخاص بهدف الإستغلال الجنسي"، اعتمد هذا التقرير - الدراسة على مقابلات مع 55 زبوناً، وخلصت إلى أن مشتري الجنس في لبنان، هم بمتوسط أعمار 28 سنة، 90 % منهم يعملون ويتقاضون أجراً يقارب الألف دولار. 60 % منهم يحظون بشهادة ثانوية أو جامعية، 67 % منهم إما متزوجون أو مرتبطون. وأوضحت الشهادات الخاصة بالمستغلات في شبكة (شي موريس) بأن الرجال كانوا يأتون من كل المناطق اللبنانية، وأن عددهم يقدر بـ 2100 زبون، أوقف منهم قضائياً ثلاثة فقط، أما عدد الزبائن الذين إبلغوا الشرطة فهو صفر. تجزم الرواية في مسرحية سحر عساف، أنه لا إدانة لمشتري الجنس في التحقيقات القضائية.
أبدى غالبية مشتري الجنس تفاوتاً في درجة الوعي بحال الإضطهاد والإستغلال والأذى الناجم عن الدعارة. يتحدث خريج جامعي، 23 سنة، مرتبط بعلاقة، عن النساء العاملات في الدعارة: "لما بتصير بالسوبرنايت، يللي عم يشغلها صار هوي يللي فارض عليها إشيا، بيستعبدا، بقشطا جواز سفرا، بيحجزلا حريتا، بيفرض عليها هالشغلة، بهددا، بيفضحها"، وقال رجل متزوج له أولاد، 34 سنة، مستوى تعليم متوسط: "بتصل ع التلفون، والله يا فلان بدي بنت حلوة، بقلي أنا معي مجموعة خمس بنات بجبلك هنن بتنقي البنت يلي بدك ياها.. بيجي بسيارتو، بضوي اللبمة، بنقي البت يلي بدي ياها. بتدفع وباخدها".
مبررات مشتري الجنس
هذا عن وعي مشتري الجنس عن تجارة الدعارة، لكن العرض يخصص القسم الأخير للمبررات التي أخبر عنها مشتري الجنس، عرضت على جمهور المسرحية على شكل تسجيلات صوتية. هنا يلامس العرض الجوانب الفكرية والأخلاقية عند مشتري الدعارة. قال متزوج له أولاد، 30 سنة، مستوى تعليم ثانوي: (ما بيهمني إذا انضربت ولا لأ. بهمني أني استمتع وبس)، واعتبر رجل آخر، 30 سنة، خريج جامعي، ألا مسؤولية عليه حين يمارس الدعارة مع امرأة غطت الكدمات جسدها، مشبهاً إياها بآلة الفليبر المستعملة: "إذا واحد كسر ماكينة الفليبر قبل بنهار، مش يعني إنت ما بتعود تلعب فليبر".
برر بعض الرجال اللجوء إلى الدعارة بأنه (حق طبيعي)، وآخرون قالوا بأنه سهل ومريح، يقول شاب 32 سنة، مرتبط بعلاقة: (هي شغلة متوفرة بسهولة، بتروح بتدفع بتخلص وبتفل. مش أنو بدي عزب حالي وآخود موعد مع صاحبتي، وتقلي قدراني ومش قدرانة، هيديك متوفرة على طول)، وتتنوع مبررات لجوء الرجال إلى الدعارة، بين الدافع الجنسي، عدم وجود شريك حالياً، بحثاً عن التنويع، للترفيه والتسلية، إدمان أو هواية، لتحسين الأداء في التجربة الجنسية، لتحسين العلاقة مع النساء، للإنتقام من النساء، والحاجة للعطف، حسبما ورد في تقرير منظمة "كفى".
إذاً، تختار مسرحية "لا طلب لا عرض" موضوعة الدعارة والإتجار بالبشر، التي ترتبط بحقوق الإنسان، بحقوق المرأة، بمعالجة جريمة منتشرة، وبدراسة ظاهرة اجتماعية، وهي تقدم المستويات العديدة لهذه الممارسة الإنسانية من شهادات النساء الضحايا التي تطلع المتلقي على حالهم النفسية والذهنية، إلى أساليب تنظيم هذه التجارة، وتعامل السلطات القضائية معها، وصولاً إلى الكشف عن الجانب المتعلق بالزبون مشتري الدعارة من درجات الوعي التي يملكها عن الخفايا المتعلقة بهذه التجارة، إلى المبررات الأخلاقية والفكرية لمشتري الجنس. أما اعتماد العرض على الخصائص التوثيقية فهو يحقق له غايته في دفع الجمهور إلى التفكر والتأمل بالموضوعة التي يعالجها العرض.
بينما تروي أربع مؤديات الشهادات على المسرح، نساء اخريات يدخلن ليضفن مقاعد فارغة جديدة على المسرح، وعلى طيلة مدة العرض 50 دقيقة، يزداد عدد الكراسي الفارغة على المسرح لتذكير المشاهد بأن عدد الضحايا وصل إلى 75 امرأة، يرمز لوجودهن بعدد الكراسي الفارغة التي تمتد على طول الخشبة وعمقها.