كتاب نسرين طافش كحلٍّ جديد لعصابها

أدهم حنا

الخميس 2020/02/27
يبدو أن البداية المُبكرة في الفن، تجعل الفنان أقل قدرة على التحكم بدوافعه النفسية المكبوتة. هذا الاستنتاج يلائم الممثلة نسرين طافش، التي لم تُكمل الثلاثين إلا وقد احتلها سيلٌ من الفضائح وبالتالي التنمر الاجتماعي الهائل.

لم تكن نسرين طافش فنانة عادية، كان صراعها البدئي في أن تكون فتاة الجمال التي تلمع وتُحفظ في عيون الجميع، بكونها الوحيدة التي تَصنع وتصيغ جمالها وتُعممه، والأكثر ملاءمة لعصر الافتتان بالصورة. ألفية جديدة حملت معها ثقافة الصورة، التي تلائم البعد النفسي للمشاهد، بوصفه فرداً لاهثاً للجمال، وممجِداً له. ليس جمالاً معيارياً أو معرفياً، بل جمالاً تجريبياً مادياً أو ما يُمكن تسميته (الاستطيقيا السفلى) أي علم الجمال المحاكي للغريزة. الجمال الذي يبدو مادياً لذوياً ومباشراً، المتجسد في عين الرائي المتوازن مع دوافعه الكبتية النفسية في الانجذاب للجمال ومظاهره. بداية القرن العشرين في الدراما السورية كانت أكثر احترافية في جذب الجمال (الاستطيقي السفلي) على حساب التقانة والاحتراف في العمل. الدهشة الغرائزية الجمالية على حساب الأسلوب، بوصف الأسلوب فناً لأنه صياغة لعملٍ حسب كانط.

فما يكون في وجه نسرين وجسدها، كافٍ ليصبح المسلسل الدرامي ناجحاً ومطلوباً وبالتالي فناً، والأهم حلاً معقولاً للمتابع الشهوي العصابي، فلاوعيه يُضبط بأنا أعلى درامية، تحدد الجمال وسلوكه، ضوابطه وآفاقه. يُحل الصراع بالجمال، أما ما يتبقى فيأتي شفوياً وتخيلاً.

صعود نسرين الأنثى الجميلة المثال، التي لطالما توالد ما يُشابهها عربياً، بدا مميزاً وغريباً. لكن في سوريا كانت نسرين إحدى الفتيات التي جعلت الجمال الفردي جذباً خاصاً مصنوعاً. إنهُ ذكاؤها، وسقطاتها التي توقظ ذهنها دوماً، لتخرج من فوضى صناعة النفس لتنظيمها الشديد.

تتعايش نسرين دوماً مع سقطاتها، ما يُسميه جانيت "خفض تركيز العقل"، الحالة التي يُصبح فيها الإنسان خمولاً وكسولاً في مراقبة تصرفاته، أو حتى تنظيم دوافعه النفسية أو تحقيق الرضا عن الذات. فما أن تم نجاحها الدرامي، شعرت بأن تشكلاً في شخصيتها يظهر منقوصاً، فدرست في المعهد العالي للفنون المسرحية لتحصل على شهادة جامعية تجعلها أكثر ثقة وتمكناً مما تقوم به. هذا لا يعني أن البداية القوية في الفن لم تشكل شخصيتها ووجودها، إلا أن شعوراً داخلياً يقبع داخلها دوماً، لتنتقل إلى ما يُسميه جانيت نفسه "شدة تركيز العقل"، فنحت نحو التحصيل العلمي.

في السقطات كان على فضيحة مدوية أن تلبس نسرين، في أن تُفضح لمرتين أو ثلاث بوصفها "تسرق الأزواج"، وكان لهذه الفضيحة وقع قاسٍ على نسرين التي سارعت للزواج درءاً للفضيحة. تكرار الفعل، جعل نسرين سارقة للقلوب والأزواج وللحدث أيضاً. حيث جمالها البديع وصنعها له ومواكبته ليواكب العصر، جعلها هي نفسها حدثاً درامياً في حد ذاتها. حتماً كان على نسرين أن تختار أحد الأبواب للخروج من فضائح تؤذيها، خاصة أن أسلوبها في التشخصن يبدو أميناً، لتجعل نفسها مصنوعة من أبسط تفاصيل الجمال إلى أكثرها ثراءً.

الطفولة تبدو متعثرة ولا نعرف عنها شيئاً، إلا أنها تشي بأن الطافش لم تُحقق طفولة ناضجة، ولا مراهقة متوازنة. فسرقة الأزواج، كفعل متكرر، توضح علاقة نسرين الطفلة غير المتزنة بأسرتها، وهو ما يسميه يونغ "عقدة الابنة من الأم"، أو تطور الأيروس المفرط. أي نشوء علاقة غيرة من الأم ومحاولة التفوق عليها لكونها تستحوذ على الأب، وفشل الطفلة في محاكاة الأم والانتصار عليها في معركة الحصول على الأب. وهذه حالة نفسية تصيب الفتيات جميعاً في محاكاتهم النفسية داخل العائلة. وهذا لا يعني اتهاماً جرمياً لنسرين، بقدر ما يجعلها ضحية مَرَضية لدوافع غير مكبوتة أو منتظمة أو مسيطر عليها، تجعلها تنساق لتدمير العلاقات الزوجية لزميلاتها من باب مَرَضي بحت وليس من ناحية عاطفية صادقة أو شعور نقي في محبة وعشق لزوج زميلة لها. لكن وقع هذا الفعل لا تراه نسرين إلا دفعاً ضدها، وقد تكون فضيحة نسرين هي الفضيحة الأولى التي تلقاها السوريون بوقعٍ صادم جداً. حيث تم التعامل معها، حتى من قبل زميلاتها، بتنمرٍ هائل، وغير محفوف بالمخاطر. ففُضحت عنوة ومن دون خوف، وكان لتوترها نطاق واحد هروبي، في أن تتزوج كحلٍ عُصابي آخر تقوم به رداً على دوافعهاً التي تبدو مرَضية وعصابية.

في سوريا يحاول النظام إجبار المجتمع على الظهور بمظهر من يملك تكثيفاً ذهنياً أخلاقياً مختلقاً، ولا يسمح بأن يُصبح الفنانون على وجه عمومي ومُشهر فيه تحت سلطة الفضائح. ما لم تقد السلطة نفسها الفضيحة. فالتلفزيون ونجومه هم سادة الفن في سوريا، لأنه يحاكي اللذة، بالتالي مثالية اللذة وشخوصها. أنقذ زواج نسرين قليلاً من سلطة الفضائح عنها، خصوصاً أن زواجها تم خليجياً، أي على الطريقة التي يبدو فيها المال سيداً للجمال. هناك مثال مازال أثيراً وحياً في سوريا عن زواج الفنانة نورمان أسعد، واحدة من أجمل نساء الساحة الفنية، من رجل أعمال عربي، دفن جمالها وقوة تمثليها في قبرٍ من مال، كشرط للاستحواذ على الجمال وفهمه، بجعله متعة فردية، وانتصاراً ذكورياً متسلطاً.

أما نسرين، فأتاح لها الزواج شأناً أعظم، كان الزوج يُشاركها أحلامها ويدفعها، فأسس مجلة وشركة تجميل، وما إلى هنالك مما يجعلها سيدة جمالٍ ومعنى، مهما بلغت رداءة وسطحية هذا المعنى الذي يتم خلقه. لكن من دون جدوى. انهيار الزواج وعودتها إلى التمثيل والوحِدة، أعاد استدعاء الفضيحة، وأعاد مخيلة تسلطية ذكورية اتجاهها. بل إن الحقيقة القوية في قدراتها التمثيلية، جعلتها هدفاً لتنمرٍ أكبر، من باب عمليات التجميل التي خضعت لها، وأسلوبها شديد التفرد والأهوج في التعبير عن ذاتها.

هذا التعبير الذي يحمل سمات "حشو الشخصية"، فالمسارعة إلى أي تكريم، وجلسات التصوير، وحياة البذخ البارزة في صورها، لم تكن كافية، فتوجت حشو شخصيتها وتضخيم ذاتها بكتاب ذي خلفية تنموية. نسرين تحشو عالمنا بكتابٍ لها، كحلٍّ آخر لعصابها، صراع لا وعيها وأناها لا ينتهي، ولم ينتهِ في كتاب. بدا الكتاب، الحل الثاني بعد الزواج كطريقة لحل عصابها. لا شك في أن التنمر على نسرين لا يبدو مُسالماً، فتكشُّف علتها النفسية في الساحة جعل مقدار الجرأة نحوها تسلطياً، مُبرزاً الجانب المرَضي في الساحة السورية، في التعامل مع غير المُعافين والضعفاء نفسياً. وإن كان البُعد الاجتماعي هو المعيار للسقطات النفسية، أو السلوك الخاطئ، فإن نسرين تُبرز وجهاً مقاوماً لسقطاتها وضعفها وفضائحها، إلا أن هذا الوجه يُبرز آفة نفسية أكبر، في أن يبدو حشو الشخصية وهماً قاتلاً، والذي لا يجعله كوميدياً. هو جمالها. وفضائحها التي تجعلها سرداً متخيلاً في عقل المتلقين الشهويين.. في انتظار ما قد تفعله نسرين لحلّ عصابها مرة أخرى.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024