"لبنان بين الأمس واليوم": هل أصبح الأمس ماضياً؟

حسن الساحلي

الخميس 2020/07/16
يضع المعرض الإفتراضي "لبنان بين الأمس واليوم"، فن ما بعد الحرب الأهلية، بتيماته المهيمنة، كالحرب والعنف الكامن إجتماعياً، ورؤيته السوداوية للمستقبل، في مقارنة مع فن الإنتفاضة، الذي تغلب عليه بشكل معاكس، المبالغة في التفاؤل، والاستسلام أمام اللحظة الثورية.


المعرض (وهو من تنظيم معهد الشرق الأوسط في واشنطن بالشراكة مع"متحف بيروت للفن" BEMA USA والجمعية اللبنانية لتطوير وعرض الفنون في لبنان APEAL ومعهد العالم العربي في باريس IMA و"مركز بيروت للصورة" BCP)، يقوم بهذه المقارنة، عبر الدمج بين معرضين سابقين. الأول، يعود إلى ما قبل الإنتفاضة بوقت قليل، لكنه ينتمي للمرحلة السابقة ("لبنان بين الواقع والخيال" في معهد العالم العربي في باريس). والثاني جرى خلال الإنتفاضة، وينتمي إلى لحظة استثنائية غيّرت القناعات الراسخة على مدى عقود عند الفنانين ("إنتفاضة" عرض كألبوم صور ضخمة على جدران مبنى البيضة في وسط بيروت ونظمته مؤسستا BCP وApeal). 


الصحافة والـmise en scene
تمثل صور الجزء الأول من المعرض (بشكل مقصود أو غير مقصود)، التيمات الأكثر تكراراً عند الفنانين اللبنانيين بعد الحرب، من صور أهالي المفقودين (داليا خميسي) الذين صُنعت حولهم عشرات المشاريع الفنية والأفلام، إلى صور المباني والبيئات الحضرية المتغيرة (أييفا دويهي) التي توثق محاولات بناء هوية وهمية للمدينة تقوم على أنقاض هوية سابقة (يمكن اعتبار "أشكال ألوان" من أكثر المؤسسات التي ركزت على هذا الموضوع بعد الحرب) إلى صور العنف الكامن الذي تظهره صور لميا أبي اللمع في مجموعتها المخصصة لنساء لبنانيات بثياب الجيش، يمكن اعتبارها، رغم العنصر المتخيل فيها، الوثيقة الأصدق عن أحوال المرأة اللبنانية بعد الحرب.


(جاك سيلقي)

وتبرز في هذا القسم صور ميريام بولص أيضاً، التي تقدم نموذجاً مثالياً عن الحياة في مرحلة ما بعد الحرب، في توثيقها سلوكيات الحياة الليلية من زاوية جندرية، لا تقلل من أهمية الخوف من المستقبل الذي يعتبر -وفقها- الدافع الأساس للرقص والنسيان. يمكن قراءة هذه الصور بشكل افضل اليوم، إن كان بإعطائها الطابع الأيقوني الذي يجعلها لا تقل كلاسيكية عن تلك التي توثق الحياة الليلية خلال الحرب، أو عبر مقارنة السلوكيات التي تظهرها، بتلك التي تبناها اللبنانيون خلال الإنتفاضة وما بعدها (لم يتناول الفنانون اللبنانيون هذا الموضوع كثيراً رغم أن الحياة الليلية ما زالت تحتل حيزاً كبيراً من الثقافة المحلية).

الشق الثاني من المعرض يتألف من صور الإحتجاجات، بعضها لفنانين لا ينتمون إلى السوق الفنية المعتادة، كما هو الحال مع مصوّرَي جريدتي "الأخبار" و"العربي الجديد"، مروان طحطح وحسين بيضون، اللذين قدما أشهر صور الإنتفاضة (باعا صوراً للمرة الأولى في مسيرتهما). اختلاف هذه الصور الأساس، وفق منسقة المعرض شانتال فهمي، اعتمادها على السرعة والخبرة الصحافية، ووالتخلي عن الـmise en scène أو تركيب الكادر كما نجد عند ابي اللمع وخميسي مثلاً، لمصلحة التركيز على التقاط الموضوع في لحظة حدثية لا تتكرر. 

لا يمنع هذا وجود صور في هذا القسم، تنتمي إلى النموذج الأول، مثل "القُبلة" لعمر صفير، التي تدفع بالحس الوطني المبالغ فيه والمبتذل الذي ظهر خلال الإنتفاضة، إلى أقصى درجاته، وصور إلياس مبارك التي تحاول خلق سرد يخرج من اللحظوية والعمومية التي نجدها عند المصورين الصحافيين. 


(اييفا دويهي)

تؤكد شانتال فهمي أن مرحلة ما بعد الحرب هي مسبب لما نعيشه اليوم، ولم نكن لنصل إلى الإنهيار لولا سياسة الهروب إلى الأمام، وتجاهل تركة الحرب وعدم معالجتها جدياً. في الوقت نفسه، يقول المعرض، كما يشير عنوانه، بأن الإنتفاضة كانت حدثاً فاصلاً بين زمنين، واحد ينتمي إلى "الأمس"، وثانٍ ينتمي إلى "الحاضر"، لكن هل فعلاً مرحلة ما بعد الحرب أصبحت أمساً؟  


مع ان الإنتفاضة والإنهيار الإقتصادي أدخلا اللبنانيين في مرحلة جديدة، لكن ليس هناك ما يشير إلى أن شروط المرحلة السابقة قد انتهت بالضرورة، خصوصاً أن العنف الكامن وديناميات السلطة والحرب، ما زالت قائمة، وسيبقى السلاح والإضطراب الأمني عائقَين أمام أي حل جدّي. لذلك، يمكننا القول إن صور ما بعد الحرب التي يضعها المعرض في "الأمس"، هي أقرب إلى الحاضر، من صور الإنتفاضة التي تبدو لنا اليوم، أشبه بماضٍ سحيق!

(*) لزيارة المعرض اضغط هنا .

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024