ضحايا النقد الخبيث

جورج يرق

السبت 2017/11/11
ليس مهماً ماذا تعرف بل من تعرف. 

فإذا كنت كاتباً ألمعياً ولم تجد أحداً يعرّفك بناشر فستبقى بنات أفكارك على رف الانتظار. أو ما عليك سوى تكبد تكلفة النشر على حسابك.

وافتراضاً، قبلت دار للنشر طبع كتابك، فقد لا تقرأ مقالاً عنه في صفحة ثقافية ما دمت لا تعرف محرراً يمهد لك الطريق.

للمناسبة، باستطاعتك، اليوم، ألا تتذمر اذا تجاهلتك الصفحات الثقافية، إذهب إلى "فايسبوك" وروّج للكتاب، لأنها هي مثلك تلجأ اليه كي تسوّق لنفسها. إنه أكثر المواقع انتشاراً، قضم سلطتها، بل كاد يطيحها. هذه الطريقة ليست في حاجة إلى وسيط ولا إلى أن تتذكر القاعدة الذهبية تلك. حسبك أن تنشىء حساباً وتستعين بأقارب وأصدقاء حتى ينتشر كتابك أبعد من حيّك.

في مقلب آخر، لا تظن ان الكتاب الذي يحصد مدحاً كثيراً هو جيد ومستحق. الاجماع النقدي، على غرار أي اجماع، موضع شبهة وشكوك. كتاب لمشرف على صفحة أدبية مثلًا، أو على القسم الأدبي في موقع ذي سمعة، يحظى بترحيب واسع. وإذا اتفق أن وجدت مقالاً خارج التقريظ، فقد يكون وراءه ثأر مضمر بين الناقد والمنقود. 
سلف سواك الآن، يرد لك الدين غداً.

انا وانت نعلم ان غياب النقد الشريف المسؤول ليس لمصلحة الكتّاب. 
النقد النزيه يرشدك. يدلك على نقاط ضعفك فتتلافاها. وعلى نقاط جيدة فتتطورها. النقد القائم على المجاملة غشاش وكاذب. يصفق لك مع أنك تستحق صفعة كي تفيق، وتقوم الاعوجاج، وتصعد من الهوة.

أحياناً كثرة المقالات المادحة دليلك الى الكتاب الرديء، تماماً مثلما تحتاج البضاعة الكاسدة لمزيد من الدعاية كي تنفد.

هذه الموضة ليست دارجة بين ظهرانينا فحسب. بل أيضًا لدى غيرنا. وابطالها من الرؤوس الكبيرة. ولا داعي لذكر الأسماء، وكواليس المشهد، تكفي العودة الى مرجع متخصص لمعرفتها وللوقوف على التفاصيل.

كم من مجموعات شعرية وروايات قُرّظت وهي ليست جديرة بسوى خبر من باب التشجيع، صدّق أصحابها ما كٰتب عنها، فاستمروا في غيّهم الأدبي من غير أن يطرأ تطور ملحوظ على مسيرتهم، مع أنهم يمتلكون شيئاً من الموهبة. النقد الدجال زيّن لهم أنهم دخلوا نادي الشعراء او الروائيين...، فاكتفوا باللقب والصيت. نيل الاعتراف بعض هؤلاء اكتشف لاحقاً الخدعة، فأقلع عن الكتابة، أو على الاقل، عرف حده فوقف عنده، وعدل عن النشر. أو اجتهد وتثقف وعاود المحاولة ومضى إلى الأمام. ومنهم من راح يتنكر لبواكيره مصنفاً إياها نزوة شباب، أو حماقة، خصوصاً بعد اختمار تجربته واكتشاف ذاته بمنأى عن زيف النقد.

والناقد، الذي هو غالباً شاعر أو روائي، والكلام هنا على العاملين في الصحافة الثقافية، ولا يستثني النقاد الاكاديميين، هذا الناقد يحرّض كاتباً ممن هم تحت معطفه، على الحطّ من شأن نتاج زميل له من باب الحسد. يذعن المأمور للمهمة، ويشهر مخلبه مهشّماً عمل الزميل المنافس، وإن يكن معجباً به. وقد يحصل العكس لدى انتفاء المنافسة، مديح وحمل على الراحات.

ألاعيب خبيثة كهذه لا تجوز على القارىء الحصيف المتابع. وقد باتت مكشوفة حتى لزوار حفلات التواقيع في معارض الكتب.

والكاتب ينجو منها بمقدار ما يوطد علاقته بحائكي خيوطها.

وفي مقلب موازٍ، ألا يقول لك شيئاً قرار شاعر من معدن وديع سعادة، مغادرة لبنان إلى استراليا بعد زيارة مبتورة، والغائه أمسية شعرية كان سيحييها في معرض الكتاب العربي المقبل؟

لا تبحث عن السبب الكامن وراء قراره. اقرأ الجواب في حسابه في "فايسبوك": "قاعد وحدي بهالبيت بشبطين. بالنهار بفتح الباب وبالليل بضوّي قدّام الباب بلكي حدا من هالضيعة بيزورني... وما في حدا ما تندهوا ما في حدا".

في الغربة، تفتر علاقاتك بصحبك وبالزملاء المقيمين في البلاد، والمنصات الافتراضية لا تكفي لبث الدفء فيها، مهما تعزز نشاطك في رحابها. والنأي بالنفس موقف لا يشي بغير الاعتراض والقرف.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024