أوسكار 2021.. مِن سيفوز؟ ومَن يستحق الفوز؟

محمد صبحي

الأحد 2021/04/25

"العرض يجب أن يستمر"، هكذا تقول العبارة المرتبطة إلى حد كبير بمجال الترفيه والسينما. قد يكون هذا أيضاً شعار حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ93*. أغلقت دور العرض لمدة سنة كاملة، وتم تأجيل عدد لا يحصى من المتنافسين المحتملين على الأوسكار إلى أواخر عام 2021، والأفلام المُرشّحة بالكاد تكون جماهيرية أو سمع عنها الجمهور بالأساس. لكن حفل توزيع جوائز الأوسكار، مثل الحياة، ما زال مستمراً على أي حال!

هنا، لا بد من الإشارة إلى أهمية الأفلام كطريق رائعة للهروب من الواقع في أوقات الشدة، ونادراً ما يكون هذا صحيحاً أكثر مما كان عليه خلال الجائحة أو أثناء العيش في بلد عربي. علاوة على ذلك، فإن حقيقة أن العديد من الأفلام المتنافسة لهذا العام تأتي إما من صانعي أفلام جدد أو صاعدين، تقدّم بعض التفاؤل بالمستقبل. من خلال أفلام مثل "يهوذا والمسيح الأسود" و"صوت الميتال" و"كوليكتيف"، يقدّم سينمائيون جريئون رؤى جديدة لما يمكن أن تقدّمه السينما. هذا مفيد وصحّي في أوقات يصعب فيها تخيُّل الغدّ وانتظاره.

مع كل حالة عدم اليقين التي تسبق كل حفل أوسكار، هناك شيء واحد مؤكد: لن يكون الحفل الثالث والتسعين مثل أي حفل آخر. ليس فقط بسبب القيود الأمنية، والإجراءات الصحية، بل قبل كل شيء، لجهة اختيار المرشحين، والذي سيقود هذا العام إلى مسار جديد تماماً، بعيداً من سينما الاستوديو والشركات الضخمة نحو السينما المستقلة والإنتاجات الصغيرة. بعيداً من أميركا البيضاء إلى التزام بتمثيل السينما لكل تنوُّع أمام وخلف الكاميرا.

التغيُّر في نسخة 2021 يُظهر انعكاساً واقعياً لافتاً للحاضر الأميركي، من المحاكمة الأخيرة لمقتل الأميركي الأفريقي جورج فلويد إلى المناقشات الجارية حول عنف الشرطة، مروراً بتمرير الكونغرس لأكبر حزمة تحفيز اجتماعي منذ فرانكلين دي روزفلت، والنضال من أجل سياسة هجرة حديثة. إذا كانت لا تزال هناك حاجة لإثبات أن التنوع الحادث لا علاقة له بـ"سياسات الهوية"، ولكنه يمثل ببساطة معياراً للجودة، فقائمة المرشحين لهذا العام، والتي تعد بجوائز أوسكار أكثر إثارة لما بدا وكأنه مسار أبدي، توفّر ذلك. مجال المرشّحين ليس متنوعاً فحسب، لكنه أيضاً أكثر إقناعاً من حيث الجودة مما كان عليه لفترة طويلة.

في الطرف المقابل، لا يزال البعض يشكو من تدهور الأوسكار إلى مجرد موكب متنوع تمليه ضرورات "الصحوة" وسياسات الهوية. وهذا، أيضاً، خطأ فادح. كل مَن يتحدث بهذه الطريقة لم يفهم تاريخ هوليوود حقاً. التنوع هو القصد الحقيقي وسبيل العيش الوحيد لسينما هوليوود في إبقاء فاعليتها وسطوتها وانتشارها. ربما استطاعت الأفلام الأميركية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي إقناع المشاهدين في ليتل إيتالي وكورياتاون والأحياء السوداء في المدن الأميركية الكبرى، حين كانت جميع الأعمال الدرامية والكوميدية الكبرى تدور حصراً بين شخصيات بيضاء منحدرة من أصول اوروبية وشمالية. الشيء المهم هو أن هوليوود أرادت حقاً أن تُفهم هناك، في ضواحي الأقليات العرقية والقومية والمهاجرين، ومن ثمّ فُهمت أيضاً في جنوب أوروبا وآسيا وفي جميع أنحاء العالم العالم. وعندما أراد الناس هناك أن يروا أنفسهم على الشاشة، كان لا بد أن تكون الأفلام مختلفة. تنوُّع الأفلام والممثلين المرشحين لجائزة الأوسكار هذا العام ليس خروجاً عن التقاليد، إنما نتيجة للتطور وميكانيزم حمائي تنتهجه هوليوود لتحيا وتبقى.

يحضر هذا بمثالية في الفيلم المفضّل لحصد الأوسكار الكبير، "نومادلاند"، من إخراج الأميركية الصينية كلوي تشاو وإنتاج وتمثيل فرانسيس مكدورماند. هناك الكثير مما يوحي بأن كلوي تشاو ستكون أيضاً أول "امرأة ملونة" في تاريخ الأوسكار تحصل على جائزة الإخراج (ولا عزاء لتوماس فنتربيرغ). البورتريه البانورامي شبه الوثائقي للظروف المعيشية الهشّة لطبقة جديدة من الطبقة العاملة من سكان المقطورات والمرتحلين وراء وظائف موسمية وعارضة، هي صورة لهذا الزمن الأميركي، وما تقترحة تشاو في فيلمها من رَمْنسة لتلك الحياة المرتحلة، يقدّم بلسماً شافياً للروح الأميركية المكدومة سيجد أصداء قوية عند كثيرين من أعضاء الأكاديمية.

تسير تشاو على خطى الرائد السينمائي جون فورد، الذي ترجم أيضاً في عام 1940 السياسة الاجتماعية للرئيس روزفلت من خلال فيلمه الأيقوني والملحمي "عناقيد الغضب"، عن رواية جون شتاينبك بنفس الاسم، والذي حصل أيضاً على جائزة الأوسكار. نصّ تشاو، الذي حوّل كتاباً توثيقياً إلى دراما إنسانية تجترح الداخلي والحميمي، ربما يجد طريقه أيضاً لجائزة السيناريو.

المختلف هذا العام أيضاً، مواكبة المشاهدين للنقاد في الفرجة على الإنتاجات السينمائية، بدلاً من الانتظار المعتاد لما بعد توزيع جوائز الأوسكار لنزول الأفلام الفائزة إلى الصالات أو توفّرها في منصّات العرض. جميع الأفلام المرشحة تقريباً متاحة للمشاهدة عبر خدمات البثّ المختلفة. نَمَت هذه الاخيرة بقوة خلال الجائحة، ما أدى أيضاً إلى عثور العديد من الأفلام الصغيرة على جمهور واسع. على سبيل المثال، مسرحية غرفة بموضوع أفريقي-أميركي مثل "المؤخرة السوداء لمَا ريني" حول مغنية بلوز منسية، رُشّح بطلاها تشادويك بوسمان وفيولا ديفيس لجائزتي التمثيل. أمر مشابه حدث مع فيلم "صوت الميتال" لداريوس ماردر حول عازف درامز يعاني فقدان سمعه. في كلا الفيلمين أداءات تمثيلية صلبة وقوية، لكن يكاد الجميع يعلم هوية الفائز مسبقاً بجائزة أفضل ممثل، المحجوزة سلفاً للراحل تشادويك بوسمان.

تحبّ هوليوود الاحتفاء بنجومها الراحلين، وتكريم هذه المرة مضاعف ويجازيها نقاطاً إضافية خصوصاً أن الممثل أسود ومحبوب. على العكس، في فئة التمثيل النسائي، من غير المرجح أن تتفوق فيولا ديفيس على منافساتها القوية، خاصة كاري موليغان في "امرأة شابة واعدة" بعد تقديمها أداءا لافتاً بمثابة ثورة شخصية على نموذج شخصياتها السابقة. هذا على الرغم من أن أداء أندريه داي في السيرة الموسيقية الثانية لهذا الموسم الأوسكاري، "الولايات المتحدة ضد بيلي هوليداي"، كان مثيراً للإعجاب. لو مُنحت جائزة التمثيل لتقدير الإنجازات الصوتية، فستحصل عليها بالتأكيد. الممثلون الملونون أيضاً من بين المرشحين المفضلين للأدوار الداعمة: دانيال كالويا (يهوذا والمسيح الأسود) ويون يوه جونغ (ميناري).

في فئة أفضل فيلم دولي، يمثّل "جولة أخرى" للدنماركي توماس فنتربيرغ المفضّل الأوفر حظاً للتتويج. فنتربيرغ، الذي أسهم ذات يوم في تأسيس سينما الدوغما بفيلمه "الاحتفال" (1998)، يقدّم في فيلمه الأخير هجاء بليغاً لإدمان الكحول واحتفاء كبيراً بالحياة. فيلم مثالي لما يهمّ عادة في هذه الفئة: موضوع إنساني عام. باستثناء "حرب باردة" للبولندي بافل بافليكوفسكي في 2018، عندما رشّح بافليكوفيسكي مقابل ألفونسو كوراون في فئة الإخراج، علينا العودة إلى عام 1976 لإيجاد فيلم خسر تلك الجائزة أمام آخر لم يرشَّح في فئة الإخراج.

لكن في العقد الماضي، شهدت فئة الإخراج ظهور أفلام دولية بمعدل يقترب مما شهدته ترشيحات أكاديمية هوليوود في الستينيات والسبعينيات، لذا فهي مسألة وقت فحسب قبل أن يتوقف وصف الناشزين على هذا النحو أو أن يمثّل فوزهم مفاجأة كبرى. اثنان من الموضوعات المهيمنة على تشكيلة الأوسكار لهذا العام هما النسيج الأخلاقي للمجتمع وإرث الصدمة ، وكلاهما ممثَّل ومميّز على حد سواء في فيلم "إلى أين تذهبين يا عايدة؟" للبوسنية ياسميلا، وبالتالي لن يكون تتويجه مفاجئاً. لكن الخاسر الأكبر هنا سيكون بلا شك "كوليكتيف"، الفيلم الوثائقي الرائع للروماني كريستيان نانو، الذي يقدّم نظرة مروعة على نظام الرعاية الصحية والفساد المؤسساتي في رومانيا.

لكن أين المرشّحون المعتادون، أفلام الاستوديوهات الكبيرة التي عادة ما تفوز؟ هنا يأتي دور فيلم الرسوم المتحركة "سول" من إنتاج بيكسار. فازت أفلام ديزني بتلك الجائزة في 14 مرة من أصل 19 عاماً هي عمر هذه الفئة. إذا كان هناك فيلم لبيكسار فلسفي ومبتكر في هذه الفئة، مهما كانت القصة فوضوية، فهل هناك فرصة للبقية؟ بالطبع لا، لكن "ولفوالكرز" أكثر متعة وجرأة.

أخذاً في الاعتبار اقتصار العناوين والأسماء على تلك التي حدّدها أعضاء الأكاديمية دون غيرها من ترشيحات أخرى لم تؤخذ في الاعتبار ولم تصل إلى الترشيحات النهائية، رغم اشتمالها على ما يفوق أغلب تلك الأسماء والعناوين المُرشَّحة إبداعاً وتميّزاً؛ في ما يلي أبرز توقعات الفائزين بالجوائز والإشادة بمن يستحقون الفوز:

 

أفضل ممثلة مساعدة

ستفوز: يون يوه جونغ (ميناري)

تستحق الفوز: يون يوه جونغ (ميناري)

 

أفضل ممثل مساعد

سيفوز: دانيل كالويا (يهوذا والمسيح الأسود)

يستحق الفوز: ليزلي أودوم جونيور (ليلة في ميامي)

 

أفضل ممثلة

ستفوز: كاري موليغان (امرأة شابّة واعدة)

من يستحق الفوز: أي واحدة منهن تستحق التتويج بالجائزة، لكن أداء أندريه داي (الولايات المتحدة ضد بيلي هوليداي) استثنائي.

 

أفضل ممثل

سيفوز: تشادويك بوسمان (المؤخرة السوداء لمَا ريني)

يستحق الفوز: ريز أحمد (صوت الميتال) أو انتوني هوبكنز (الأبّ)

 

أفضل تصوير

سيفوز: كريستوفر بلوفيلت (نومادلاند)

يستحق الفوز: كريستوفر بلوفيلت (نومادلاند)

 

أفضل سيناريو مقتبس

سيفوز: كلوي تشاو (نومادلاند)

يستحق الفوز: كريستوفر هامبتون وفلوريان زيلر (الأبّ)

 

أفضل سيناريو أصلي

سيفوز: إيميرالد فنيل (امرأة شابّة واعدة)

يستحق الفوز: داريوس ماردر أبراهام ماردر وديريك سينافرانس (صوت الميتال)

 

أفضل مونتاج

سيفوز: ميكيل إيه جي نيلسن (صوت الميتال)

يستحق الفوز: يورغوس لامبرينوس (الأبّ)

 

أفضل إخراج

سيفوز: كلوي تشاو (نومادلاند)

يستحق الفوز: توماس فنتربيرغ (جولة أخرى)

 

أفضل فيلم رسوم متحركة

سيفوز: "سول"

يستحق الفوز: "ولفوالكرز"


أفضل فيلم وثائقي

سيفوز: "معلّمتي الأخطبوطة" أو "تايم"

يستحق الفوز: "كوليكتيف"


أفضل فيلم دولي

سيفوز: "إلى أين تذهبين يا عايدة؟" أو "جولة أخرى"

يستحق الفوز: "كوليكتيف" أو "إلى أين تذهبين يا عايدة؟"

 

أفضل فيلم

سيفوز: "نومادلاند"

يستحق الفوز: "صوت الميتال"

 

 

(*) يبدأ حفل توزيع الجوائز في الواحدة من صباح الإثنين 26 نيسان المقبل.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024