"سيدة البحر": غرائبية سعودية لمصالحة النظام

شادي لويس

الجمعة 2019/11/01
في دورة هذا العام، التي نافس فيها الفيلم السعودي "المرشحة المثالية" على جائزة الأسد الذهبي، في المسابقة الرسمية لمهرجان "فينيسيا"، فاز فيلم سعودي آخر، "سيدة البحر"، بجائزة "فيرونا" للفيلم الأكثر إبداعاً، ضمن جوائز أسبوع النقاد بالمهرجان. 

يقدم فيلم "المرشحة المثالية"، للمخرجة هيفاء المنصور، دراما اجتماعية نسوية لا تخلو من حس ساخر. تستكمل فيه المنصور ما بدأته في فيلمها الأول "وجدة" (2013)، رافعة سقف طموحاتها. فرغبة الفتاة الصغيرة في ركوب الدراجة في عملها الأول، يحل بدلاً منها سعي الطبيبة الشابة، مريم، إلى خوض انتخابات المجلس البلدي في العمل الثاني. فالطموح لم يعد التمتّع بحرية الحركة في المجال العام فحسب، بل والمشاركة في إدارته أيضاً، وحق التمثيل. الجدير بالذكر إن الفيلم كان أول فيلم يحصل على دعم هيئة الفيلم السعودي حديثة التأسيس، وقد صُوّر بالكامل في السعودية.

يعالج فيلم "سيدة البحر" للمخرجة السعودية، شهد أمين، تيمة نسوية أيضاً، لكن سرديته أبعد ما تكون عن الواقعية. فبالإضافة إلى التنويه الذي يبدأ به الفيلم عن أن كل الأحداث خيالية وأي تشابه بينها وبين الواقع هو محضّ صدفة، فإن طقوس التضحية بالأطفال الإناث للأمواج، والفتيات اللواتي يتحولن إلى عرائس للبحر، والبطلة التي يتغير نصفها الأسفل ببطء إلى ذيل سمكة، كل هذا كان كافياً لتأكيد الطبيعة الغرائبية للأحداث. إلا أن الحساسية التي كان يمكن أن يثيرها الفيلم السعودي الذي صُوّر في سلطنة عُمان وأنتجته شركة "إيمج نيشن أبوظبي" الإماراتية في الأغلب، كانت الدافع للجوء إلى الكثير من الخيال السحري، والتأكيد نصاً على "عدم واقعيته".


يصنع الفيلم أسطورته الخاصة، خليط من عادات وأد بنات الجاهلية وقصص جنيات البحر من قرى الصيادين مع إسقاطات معاصرة، لا يصعب فهمها بشكل مباشر. يفتح "سيدة البحر" صندوقاً مغلقاً ومهجوراً لأساطير الجزيرة العربية والتراث القصصي لمجتمعات الصيد الخليجية التي اندثرت بشكل شبه كامل بعد ظهور النفط. وعلى خلفية شاشة بالأبيض والأسود، تضفي المزيد من السحرية والإيحاء بالقِدَم. يسعى صنّاع الفيلم إلى خلق جماليات بصرية خاصة، متقشفة جداً بكادراتها القريبة من الوجوه البشرية، والأجساد نصف العارية، والمشاهد الطويلة ذات الكادر الواسع للطبيعة المقفرة وشبة الصامتة. وتتعثر سردية الفيلم في ثلثه الأخير، ويبدو تتابع الأحداث غير واضح، وتنقلب السردية إلى قبول بعملية التضحية بالإناث بوصفها طبيعة الأشياء والسبيل الوحيد لبقاء القرية. وبالإضافة إلى النهاية المحبطة، فإن الأداء التمثيلي كان متواضع المستوى، باستثناء الأداء المتميز لبسيمة حجار، التي لعبت دور البطلة "حياة"، وكذا بدا تصميم الكثير من المشاهد متأثراً بخيال هوليوودي واستشراقي. 

ومع هذا فإن "سيدة البحر"، يقدّم تجربة فريدة في مسيرة السينما السعودية النسوية الصاعدة. فبدلاً من الاكتفاء بالتركيز على المضمون الاجتماعي والسياسي، يفتح الفيلم أفقاً تجريبياً ومغامراً على مستوى الجماليات، ويسعى للنهل من تراث سحري شديد الثراء، لطالما تمّ تجاهله بمحاذير سياسية ودينية محافظة.

ينتهي الفيلم بمصالحة ما، مثله مثل فيلم "المرشحة المثالية". فكلاهما يقدّم رسالة سياسية بأن معاناة النساء في السعودية صارت من الماضي، أو على الأقل يتم تجاوزها بخطوات سريعة اليوم. وفيما تبدو تلك الرسالة شديدة الوضوح في فيلم "المرشحة المثالية"، وتصريحات مخرجته التي لا تفوّت فرصة للحديث عن زخم الإصلاحات التي تشهدها المملكة، فإن رسالة "سيدة البحر" تبدو أكثر ضمنية وأقلّ مباشرة. فوحشية رجال القرية الذين يرمون بناتهم للموج، ويعودون لاصطيادهن بعد تحولهن جنيات بحر، كل هذا ليس دعوة للتمرّد أو الأنصاف، بل للادعاء بأن ذلك كله موغل في القِدم، ومضى. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024