التنوير ضد السحاق

أحمد ناجي

الجمعة 2018/12/14
كتبت د.عالية شعيب في "تويتر": "رغم المطر والبرد. كان الأصحاب بانتظاري. غمروني بالحب والوفاء فتسلل الدفء لروحي وتلاشى جزع قلبي. يوم حافل في  #معرض_بيروت_الدولي_للكتاب حيث حرية التعبير والتوزيع من دون منع أو معاقبة على التفكير والبحث العلمي والتنوير". تدوينة حبوبة من كاتبة كويتية تحتفي بحفلة توقيع كتابها في بيروت الحرية والتسامح، كما تدعوها. لكن المفارقة تتبدى حينما نطلع على كتاب الدكتورة، والذي يحمل غلافه صورة وورد وساقين مفتوحتين، وفوقهما عنوان مثير "أخت الفتنة: دراسة في السحاق والبغاء". ثم نفتح كتاب الدكتورة الباحثة عن الحرية، لنجد تحقير النساء، التحريض على المثليات والمثليين، والمفارقة أن تحتفل الكاتبة بخطاب الكراهية ضد المثليات في كتابها، في البلد العربي الوحيد تقريباً الذي شهدت محاكمه مؤخراً أول حكم ضد تجريم المثلية الجنسية.


تعرّف د.عالية نفسها بأنها كاتبة، شاعرة، قاصة، روائية، فنانة تشكيلية، صانعة أفلام، ممثلة، أستاذة جامعية، حاصلة على درجة الدكتوراة في الفلسفة. وفي نهاية كتابها، تقول انها حاصلة كذلك على جائزة مفكري القرن الحادي والعشرين (أميركا 2004)، وجائزة السلام (أميركا 2005)، علماً أني فشلتُ في العثور على جائزة بهذا الاسم ولم أصل إلى تفاصيل حول الجهة المانحة. لكننا نعرف أنها في لبنان، تتمتع بالحرية، بينما تتحسر على الحرية في بلدها الكويت وتحارب الحرية في كتاباتها، في واحدة من أكمل صور التناقض والشيزوفرينيا المعتادة لدى المثقف العربي.

يتخفى خطاب الكراهية ضد المثليين، في كتاب د.عالية، خلف حجاب الأكاديمية ومنهجية البحث العلمي وادعاء الحكمة والأخلاق، وهو يأتي متزامناً مع موجة خطاب عربي معادٍ لخيار المثلية الجنسية، لا يرفض المثلية لأسباب دينية أو اجتماعية، بل يتحصن خلف ألقاب الدكتوراه لأصحابها، مثل الأطباء النفسيين في مصر الذين يدعون قدرتهم على "علاج" المثلية، أو مثل د.عالية التى كتبت كتابها لتدق ناقوس الخطر وتلفت نظر المجتمع الكويتى إلى سرطان المثلية.

يتضح توجه د.عالية، من العنوان، حيث لا تستخدم لفظ المثلية الجنسية طوال الكتاب، بل تستخدم لفظ "السحاق" وتجمع في عنوان الكتاب بين السحاق والبغاء، رغم عدم وجود علاقة بين الاثنين. فالأول نشاط جنسي وأحياناً هوية فردية، والثاني نشاط تجاري مشرعن في بعض الدول ومجرَّم في اخرى. لكنها في كتابها، تحذر من اتصال السحاق بالبغاء، فواحد يؤدي إلى الآخر.

يقدم الكتاب نفسه تحت تصنيف "دراسات نسوية"، بينما غالبية أفكاره معادية تماماً للخطاب النسوى، ويمتلئ بعبارات كفيلة بإصابة بعض النسويات العربيات بالسكتة الدماغية.

يبدأ الكتاب بمقدمة مرعبة، تروي فيها الكاتبة كيف صادفت السحاقيات أثناء دراستها في بريطانيا، حيث لهن نوادٍ وغرف مخصصة لهن، ثم عادت للكويت حيث عملت بالتدريس في الجامعة، دخلت حمّام الطالبات فوجدت فتاتين على الأرض "أصوات آهات غير طبيعية". صُدمت من وجود هذه الممارسات في المجتمع الكويتي، وتذكرت قصة مفادها أن الخليفة عمر بن الخطاب أتوه برأسي فتاتين لأنهم اكتشفوا أن علاقتهما مشوبة بالشك!

تنتهى المقدمة الأولى، من دون توضيح. تتركنا الكاتبة لنبني العلاقات في ذهننا بين الرأسين المقطوعين على مائدة الخليفة، وفتيات حمّام الجامعة. ثم تبدأ مقدمة ثانية، تستخدم فيها هذه المرة التقعير والفحلطة، وتعطي القارئ درساً في أساسيات المنطق والفلسفة، ثم تفصح عن استخدامها في هذه الدراسة "المنهج الأخلاقي التحليلي"، ويتم هذا التحليل لغوياً من خلال المعاجم، دينياً من خلال القرآن، والسنّة قانونياً. ثم يستمر الصياح والتهويل من خطر السحاق حيث تذكر الكاتبة خبراً يعود إلى العام 2001، ويقول إن محكمة في الصومال حكمت بالإعدام على سيدتين اتهمتا بإقامة علاقة جنسية شاذة، وتعلق الكاتبة "إن كنا نوافق أو نعترض على الإعدام، إلا أننا لا شك نستشعر الضرورة القانونية اللازمة للحد من هذه الممارسات غير المقبولة في المجتمعات العربية".

تتحسر الكاتبة في أجزاء من الكتاب، على قدرة النساء في الغرب على الإفصاح عن هويتهن الجنسية، ومقدار الحرية التي يتمتعن بها، لكنها تحذر من خطر السحاق السري في المجتمعات العربية، وتعدد المخاطر والآثار السلبية له حيث يؤدي السحاق إلى:

- خيانة المرأة لزوجها وإهمال بيتها ورعاية أبنائها.

- شعور المرأة السحاقية بأنها تخالف الدين والأعراف فيترسب لديها شعور مُلحّ بالخطيئة.

- تشتت انتباهها ويقلل من فرص ابداعها.

- انهيار القيم والفضائل الأخلاقية البديهية.

الكاتبة مولعة باللوائح، كمن يكتب منهجاً دراسياً للطلبة، ولعلها تظن أن هذا هو شكل كتابة البحث العلمي، وأنه كفيل بتغليف هرائها بغلاف علمي. في ست صفحات مثلاً، تُعدد أسباب انتشار السحاق، وهي الأسباب ذاتها التي يمكن وضعها كلائحة لأسباب انتشار المخدرات، أو أسباب انتشار سب الدين. فالفتاة تلجأ وتتحول للسحاق، في نظر الدكتورة، نتيجة لغياب المبادئ الدينية والأخلاقية، التربية الناقصة المشوهة التى تزرع الخوف من الرجل والخوف من الحمل وفقدان العذرية، لذا تتجه الفتيات للعلاقات السطحية حتى يشعرن بالمتعة والأمان معاً.

يمتلئ الكتاب بكل الصور النمطية البشعة عن مجتمع المثليين، تقدمها الكاتبة كنتيجة لأبحاثها "العلمية"، والتي بنَتها على قصص مجهّلة ونمائم تسردها طوال الكتاب، كلها قصص تنبع من فانتازيا الأفلام البورنوغرافية. فعندما ترغب في التدليل على خطورة السحاق على الحياة الزوجية، تحكي عن "الرجل" الذي تزوج من سيدة أجنبية مسترجلة بعض الشيء، وعاد بها إلى الكويت حيث تزوج من سيدة كويتية وجمع الزوجتين في منزل واحد، لكل واحدة قسمها من المنزل، وعاشتا في سعادة وهناء. لكنه فجأة عاد إلى المنزل في غير موعده، ووجدهما في وضع مخل، واكتشف وجود علاقة جنسية سحاقية بين الزوجتين، وحينما واجه زوجته الكويتية، بكت وتهربت من مواجهته، أما زوجته الأجنبية فرفضت وصايته عليها وقالت إنها حرة في حياتها الجنسية "ما دامت تمنحه حقوقه الشرعية".

تحتار، حينما تصطدم بهذه القصص، في تصنيف الكتاب فعلاً، يبدو كوكتيلاً من الازدواجية والأفكار المتناقضة. مزيج من الكراهية والحسد ضد المثليات جنسياً. لكن، بينما من المعتاد أن نقابل هذه النوعية من الهذيانات الرخيصة في منشورات الإثارة الخفيفة، فالدكتورة عالية تقدمه كرسالة تنويرية. وهو التنوير الذي يرفض السلطة الدينية، لكنه يطمح إلى أن يكون سلطة أخلاقية بديلة، يحدد الصواب من الخطأ. ود.عالية اختارت رسالتها كتنويريه ضد السحاق. في مواضيع كثيرة ضمن الكتاب، تتحدث عن دورها في تحدي الرقابة، وكشف المستور، والتطرق للمواضيع الشائكة، من دون أن تنتبه أن كتابها يعج بالافكار الذكورية، وأن الحرية لا تعني التمرد على المجتمع من أجل فرض معاييرها الأخلاقية وكراهيتها للمثليات جنسياً. لكنه، مرة أخرى، الكاتب(ة) العربي(ة) الذي لا يفهم أن رسالته هي الدفاع عن حرية الجميع، بل يعتقد أن دوره هو دق ناقوس الخطر وتنبيه السلطة لخطر السحاقيات، ليجعل المجتمع والشرطة والقوانين ضدهن. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024