فيروز وماكرون والرؤساء... بين المعنى والاستغلال

المدن - ثقافة

الأحد 2020/08/30
بحسب وكالات الأنباء، اختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يبدأ زيارته إلى لبنان بالاجتماع مع فيروز. وأدرج قصر الإليزيه اسم الفنانة اللبنانية في صدارة برنامج الرئيس الفرنسي خلال زيارته الثانية لبيروت خلال أقل من شهر. وكتب ماكرون في برنامجه عبارة "موعد على فنجان قهوة مع فيروز في انطلياس مساء الإثنين". وتعددت الأقوال والتعليقات على الزيارة التي اعتبرها بعضهم جزءاً من بروباغندا للرئيس الفرنسي الذي يبحث عن نفوذه في الشرق الاوسط، أو هي إشارة إلى مدى الاهتمام الفرنسي بلبنان الذي يحتفل الثلثاء 1 ايلول بالذكرى المئوية لتأسيسه. وكان ماكرون اختتم زيارة إلى بيروت في السابع من أغسطس/آب الحالي، وكتب على تويتر عبارة "بحبك يا لبنان".

وسيزور ماكرون الفنانة اللبنانية في منزلها في الرابية بعيداً عن كاميرات الاعلاميين... وتربط فيروز بـ"الأم الحنون" علاقات صداقة متينة توطدت في عام 1975 عندما ظهرت للمرة الأولى على شاشة التلفزيون الفرنسي ضمن برنامج "سبيسيال ماتيو"، الذي كانت تقدمه صديقتها الفنانة الفرنسية ميراي ماتيو، وقدمت هناك أغنية "حبيتك بالصيف". وعام 1975 غنت على مسرح الأولمبيا الفرنسي "باريس يا زهرة الحرية". ويقول المقطع الأخير من الأغنية: "يا فرنسا شو بقلن لأهلك عن وطني الجريح/ عن وطني اللي متوج بالخطر وبالريح/ قصتنا من أول الزمان/ بيتجرح لبنان بيتهدم لبنان/ بيقولوا مات وما بيموت/ وبيرجع من حجارو يعلي بيوت/ وتتزين صور وصيدا وبيروت". ونالت فيروز أرفع الأوسمة الفرنسية منها وسام قائد الفنون والآداب من الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران عام 1988، ووسام جوقة الشرف برتبة فارس من الرئيس الراحل جاك شيراك21 نيسان 1997. 
وتراوحت علاقة فيروز بالرؤساء والسياسين اللبنانيين والعرب، بين الفلكلور ومحاولة استغلال صوتها وبين الدعم الحقيقي، والتقت رؤساء في المغرب وتونس وسوريا والأردن، يقال إنها رفضت أن تتحول "مطربة قصور أو بيوت"، وعمد عاصي ومنصور إلى تأليف وتقديم اغنيات للمدن العربية بدل الأنظمة، ويقال أيضاً أنه في مطلع عام 1965، كان الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة يتهيأ للقيام بزيارة رسمية إلى لبنان، وقبل أن يصل أبلغ مستضيفيه رغبته بالاستماع لصوت فيروز... فقرر الرئيس شارل الحلو إقامة حفل للضيف وأبلغ الأخوين رحباني اللذين طلبا مبلغ (75) ألف ليرة لبنانية تكاليف إقامة الحفلة...


انقضت أيام... وقبل وصول الضيف بأسبوع، اتفق أن تقام الحفلة في تياترو لبنان، وأن تكون فيروز وكذلك الأخوين رحباني والمخرج صبري الشريف متبرعين... على أن تتولى الدولة دفع أجور العازفين والراقصين وباقي المشتركين من عمال وفنيين... وبوشر بإعداد الفرقة وتهيئة البرنامج الذي تضمن اسكتشات وطنية، وموشحات أندلسية، ولوحة عن فلسطين.
وفجأة أبلغ الأخوين رحباني وفيروز أنه صرف النظر عن إقامة الحفلة في تياترو لبنان، وتقرر إقامتها على مسرح فينيسيا.
ورفض عاصي الرحباني هذا التغيير على اعتبار أن في مسرح فينيسيا فرقة ليلية وبرنامج دائم لا يمكن إيقافه، ورفض أيضا أن تغني فيروز على العشاء... لكن الأزمة لم تنته، فقد أصدر رئيس الوزراء اللبناني حسين العويني قراراَ شفهياً بمنع إذاعة أغاني فيروز في إذاعة لبنان... وقد علقت فيروز التي كانت تصور وقتها فيلم "بياع الخواتم" على قرار المنع بالقول: "تألمت كثيراً لما حصل"، انتهى كلام فيروز... وانتهت الأزمة لاحقاً بعدما منعت الإذاعة اللبنانية أغاني فيروز لمدة سبعة أشهر، ومرت السنون وكانت فيروز وعاصي ومنصور في تونس. وبناء على طلبه، التقاها الحبيب بو رقيبة. خلال اللقاء، شرح عاصي للرئيس بأن فيروز لا تقوم بحفلات خاصة، ولا بإطراب أحد بالغناء خلال عشاء، فتفهم الرئيس الأمر وقال "فيروز، أحبها كما أحب بناتي وأكثر"؛ فجأة قامت زوجة الرئيس السيدة وسيلة بخلع خاتم ماسي من إصبعها وألبسته في إصبع فيروز. قبلت فيروز الهدية، لكن بعد دقيقة واحدة خلعت فيروز الخاتم من إصبعها، وردته إلى السيدة وسيلة وقالت لها، "شكراً، اعتبري أنو الهدية وصلت". وكانت فيروز زارت تونس مرتين، حيث غنت فيها لأول مرة عام 1968، والثانية عام 1998، حيث استقبلها الرئيس زين العابدين بن علي ومنحها وسام الاستحقاق الثقافي "تقديراً لمسيرتها الفنية الطويلة ومكانتها الرفيعة في مجال الاغنية العربية ولروح الاخاء والمحبة والتسامح التي ميزت انتاجها"...

وتحدث زهراب ماركاريان، المصور الخاص للعائلة الملكية في الأردن، خلال رفقته للملك الحسين عن مفاجأة كان قد قدمها لفيروز خلال زيارتها الى مدينة العقبة الاردنية بصحبة فرقتها للغناء، وبالمصادفة كان اليوم التالي هو عيد ميلادها. وقرر الملك اصطحاب السيدة فيروز وفرقتها معه بطائرته الخاصة الى عمان قبل ان يعودوا بطائرة اخرى الى بيروت، وهناك كانت المفاجأة التي حضرها الملك الحسين لفيروز في عيد ميلادها. وما ان غادرت فيروز باب الطائرة لتجد مئات من موظفي الملكية يقفون اسفلها يحملون كعكة عيد ميلاد على شكل "غيتار كبير" ويغنون لها.

أما في لبنان، وعلى الرغم من صلة فيروز والرحابنة بالرؤساء اللبنانيين انطلاقاً من مهرجانات بعلبك، إلا أنها عندما ارادت أن تغني اول حفلة لها بعد الحرب في وسط بيروت عام 1994، تعرضت لحملة شرسة باعتبار أنها تغني برعاية الرئيس الراحل رفيق الحريري، اعترض بعض الجمهور على أن تغني بدعوة من شركة سوليدير لأنها بذلك ستبدو أنها تبارك مشروع  الحريري، ووزعت "دار الجديد" لصاحبها لقمان سليم عبارة "قولي لا للملك". وعندما عادت فيروز الى مهرجانات بعلبك الدولية عام 1998 بعد غياب 24 سنة، صعد رئيس الجمهورية الراحل الياس الهراوي إلى المسرح ليهنئ فيروز ويصرّح بأنه "مع نجاح فيروز سيأتي نجاح لبنان".

وكانت فيروز التقت الرئيس السوري حافظ الأسد عام 1973 بعد تولي الأخير معالجة رفيق عمرها (عاصي) على نفقته الخاصة في باريس، يقول منصور الرحباني إثر مرض شقيقه عاصي: "إن نسيت فلا أنسى مشاعر الناس ومحبتهم وتقديرهم، لقد حاصروا المشفى الذي يعالج فيه عاصي، وقد غمرنا الرئيس حافظ الأسد بعنايته ومحبته وأرسل موفداً خاصاً ومبلغاً مالياً مجزياً لهذه الغاية وهي مبادرة لا يمكن أن ننساها أبداً".‏ لكن "محبكجية" الأسد يعتبرون لقاء الأسد فيروز والرحابنة (منصور، عاصي، الياس) حدثاً قومياً وعروبيا وتاريخياً، يظهر الأسد في الصور بمظهر السعيد والمبتسم والمنتصر، وكتب "المحبكجية" في الفايسبوك "الرئيس الخالد حافظ الأسد راعي العلوم والفنون والرياضة... راعي كل ما يرتقي بالانسان إلى أعلى درجات الإنسانية... رحم الله ثراك أيها الرجل العظيم.
 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024