"أفعال عابرة"لمنير عبدالله:رغبة الجسد المثلي

يارا نحلة

الأحد 2018/12/23
تعبر، أمام كاميرا منير عبدالله، أجساد ذكرية صلبة ولينة في آنٍ واحد، تتثنى حيناً وتتيبس أحياناً أخرى، تحت وطأة الرغبة الرقيقة أو الشهوة العنيفة. في سلسلته الصورية "أفعال عابرة" في غاليري آرت لوب، يذهب المصوّر إلى حيث لا تتجرأ الإيروتيكا اللبنانية، معرياً الجسد الذكري المثلي، وملتقطاً لذته الممنوعة.

تحتلّ أجساد الرجال مجهولي الهوية الإطار الكلّي للصور التي تتسم بتركيبةٍ بسيطة، لا تعكّرها فوضى العناصر والألوان. وفي مقابل عريّهم شبه الكامل، يخفي معظمهم وجهه عن الكاميرا؛ بوضعه بين فخذي رجلٍ آخر، أو إرتداء خمارٍ بدوي تظهر عبره عيوناً مزينة بالكحلي. يصور عبدالله هذه الأجساد المكتنزة بالعضلات، وهي تقف وحيدةً؛ فائضةً بالإثارة والإغواء، تخاطب عبرهما رغبة الناظر المحدق وحده. أما الوجوه، فيبرزها عبدالله في مواضعٍ حميمة، كقبلةٍ أو عناق حارّ بين أزواجٍ من الرجال يتبادلون حواراً عاطفياً يتأرجح بين الرقة والقسوة.

تزخر سلسلة عبدالله بالتناقضات، وتطمس الخطوط بين القوة والضعف، ما يتجلّى بال"contrast" المستخدم بين الأبيض والأسود. فإلى جانب السواعد المفتولة وملامح الوجه الحادة، يلتقط عبدالله حساسية الموضوعات المصورة وهشاشتها. فنرى أجساد الرجال مهيمنةً تارةً وخاضعةً تارةً أخرى. تتمايل باستسلام في بعض الصور، وتقبض على اللذة بأيدٍ مشدودة في صور أخرى. وخلف النظرات الحادة المفحمة بالتحدّي، تخترق عدسة المصور التجارب المريرة لهؤلاء الرجال داخل مجتمعٍ يجرّم أجسادهم.

تدعونا هذه الصور إلى رؤية الجسد الذكري بنظرةٍ جديدة، بعيداً عن ديناميات القوة المعهودة في العلاقات الذكرية والعلاقات المغايرة. فكغيرها من المنتجات البصرية المنتمية إلى فنّ الhomo-eroticism، تعيد السلسلة تعريف مفهوم النظرة الذكرية إلى الجسد العاري، فترفعها عن الجسد الأنثوي الذي لطالما استأثر بها وتسلّطها على الجسد الذكري. فلا نظرة ذكرية- بالمعنى التقليدي- هنا، ولا موضوع أنثوياً. ولا تفرقة جندرية بين الموضوع والرغبة، إذ إن كلاهما ذكري. وبالرغم من تقبّل مجتمعاتنا، بشكلٍ نسبي، للعريّ الذكري. لكن هذا الجسد العاري يصبح، في سياق المثلية الجنسية، أكثر حرمةً من الجسد الأنثوي نفسه.

ففي مجتمع يرزخ تحت وطأة الهوموفوبيا، ويعاني مثليوه من تمييز ونبذٍ إجتماعي مستمر، لا مكان للإحتفاء بجمالية الجسد الذكري الخارج عن قواعد الذكورة. خصوصاً وأن الجمال لا يزال، حتى هذه اللحظة، منوطاً بجسد المرأة. يتحدّى عبدالله، بأفعاله العابرة، هذا الترميز الثقاقي والإجتماعي للجسد الذكري، عابثاً بالأدوار الجندرية ومبعثراً لها. أما الأدوار التي تلعبها الشخصيات المصورة فهي ليست جامدة وثابتة، كما ينبغي على الذكورة أن تكون، بل متبدّلة بإستمرار.


تطغى، على العمل، ذاتية الفنان الذي لا يحاول تحييد رغبتها واخفائها، بل يستعرضها ويجاهر بها. وباتخاذه رجالاً غرباء موضوعاً لهذه الرغبة، تتجلى في صور عبدالله هواماته التلصصية. إن "فانتازمات" المصور المنصبة على أجساد شبه مثالية، ممشوقة ورياضية، تنذر بأن النظرة الذكرية قد انقلبت على نفسها، بخلقها معايير جمالية جديدة خاصّة بجسد الرجل.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024