الإبداع السوري في ميزان "اتجاهات": الحرب تخلق وعياً جديداً؟

فرح سكرية

السبت 2019/08/31
تحت عنوان "أسئلة حول الكتابة الإبداعية الراهنة ومنتجيها" استضافت الجامعة الأميركية في بيروت، أمس، اللقاء الثالث المفتوح حول البحث الثقافي، الذي تنظمه مؤسسة "اتجاهات- ثقافة مستقلة". وعرض اللقاء بحوثاً أعدها كتّاب وكاتبات من سوريا تناولت الواقع الثقافي والأدبي السوري والتحديات التي تواجه المبدعين السوريين خاصةً في بلاد الاغتراب. كما شرحت البحوث التغيرات المتنوعة التي رافقت الكتّاب السوريين في ظل الأحداث الراهنة.

ثلاث باحثات أجَبن على إشكاليات أساسية مرتبطة بالأدب والمسرح والرواية، استندن على نماذج مهمة ووضعنها موضع البحث والتساؤل. بدءًا ‏من الفكرة ومدى محاكاتها للواقع، ‏وصولًا إلى تطبيقها في أدبي يرضي المتلقي، مرورا بالتحديات والأساليب المتبعة في تقديم العمل بشكل مؤثر.

بين الأدب والتوثيق 
قدمت علا المصياتي ورقة بعنوان "بين الأدبية والتوثيق، نماذج روائية سوريّة معاصرة"، تبحث في عدد من القصص السورية المعاصرة في محاولة لفهم الاساليب التي استخدمها الكتاب لوصف واقعها ومدى توثيق الأحداث الحقيقية من خلال الخيال متخيلة. الورقة تنظر في الأدوات الفنية وطرق التلاوة التي قام بها الكتاب ونظر في كيفية استخدام الكتاب وتطوير هذه الادوات للاعلان عن تصوراتهم عن الواقع من خلال روايتهم.

اختارت المصياتي ‏ثلاث روايات تتحدث عن الأزمة السورية بطرق مختلفة مفصلة الطريقة التي حاكى بها الكتّاب السوريون متلقيهم، وواقعهم في السنوات الممتدة بين 2013 و 2017، متحدثةً عن دور التخيل والتوثيق في كتابة الرواية السورية المعاصرة.

"الذين مسهم السحر" للكاتبة روزا حسن، الرواية استخدمت اسلوب "التقرير" في سرد روايتها وعرض صورة واقع البلاد منذ شرارة الأزمة السورية وحتى العام 2013، مفصلةً الدمار والفوضى والتهجير بشكل أقرب الى الواقع. الرواية الثانية "الموت عمل شاق" لخالد خليفة، رواية سوريالية اكثر خصوصية، تتحدث عن وصية أب لابنه أن يدفن في قرية افتراضية تُدعى "العنابية" وعن الاحداث التي سيخوضها "بلبل" في رحلة الموت هذه. وضع خليفة البطل بين وصية والده والمخاطرة التي سيقوم بها في سبيل ارضاء والده. ختمت المصياتي بأكثر الروايات تعقيدًا "المشّاءة" لسمر يزبك، ‏حيث بطلة الرواية طفلة مكبلة الأطراف تشبه الثورة السورية. ‏إذا أرادت الكاتبة أن توصل للقارئ صورة مفصلة عن طريق الآلام الذي مشته الطفلة مشيرةً بذك الى طريق الأزمة الصعب نحو الانفراج المحتوم.

‏الذات غياباً وحضوراً في خطاب المسرح السوري
وقدمت لمى العبد المجيد ورقتها "النفس باللغة السورية: غياب أو حضور". وهي تستكشف مفهوم الذات والهوية في الدراما السورية المعاصرة من خلال تحليل الهياكل الاساسية للدراما السورية وفحص الاعمال المثيرة والشخصيات المسرحية. يسعى البحث الى تقديم الرؤى الرئيسية والكشف عن العوامل النفسية التي تشكل الهوية الذاتية على خلفية الواقع الذي يراه الكتاب المسرح وكتاب دراما اليوم، سواء في سوريا او في الخارج".

تحدثت العبدالمجيد ‏عن موضوع الذات ووجودها في خطاب المسرح السوري، تناولت ثنائية "الآن" و"الهنا" ‏وموقع الذات ضمنهما. ‏تحت معيار مكان كتابة النص المسرحي اختارت الباحثة نصين مسرحيين كُتبا داخل سوريا هما "هن" و"هدنة"، وآخرَين كتبا خارجها "وقائع مدين لا نعرفها" و"حبك نار". ‏النصوص الأربعة تتحدث عن الأنا والهنا السوريين، ‏وعن الصراع الذي تعيشه الذات بين وجودها و خضوعها.

"حبك نار" ‏عمل يتحدث عن صعوبة ممارسة الحب في زمن الحرب، عن قصة جندي يقع بين خيار الانشقاق عن الجيش من أجل حبيبته، وخيار البقاء حفاظًا على سلامة وأسرته، ‏يظهر الصراع بين الأنا الخاضعة والأنا المتمردة وانتصار ‏‏الاخيرة بعد عناء طويل. "‏وقائع مدينة لا نعرفها" ‏يفصل ‏قصة صحفية ناشطا سياسيا تقع ضحية ابتزاز الأمن لها ‏والضغط عليها من أجل تسليم أسماء اصدقائها مقابل كتمان سر مثليتها الجنسية، ‏اذ تفشل الأنا المتمردة في الانتصار على الضغوطات التي تعيشها.

"هن" ‏نص ‏يتناول قصة خمس نساء فقدن شركاءهن خلال الحرب. وتعيش الأنا هنا حالة استسلام تام للماضي ولذكرى الشريك الراحل. اما "هدنة" فيعرض‏ قصة جندي يستغل زمن الهدنة بين الجيش والفصائل الأخرى ليسترجع أحداث ماضيه في زمن متخيل.

المسرح الألماني السوري
أما الباحثة وديعة فرزلي صاحبة ورقة "موضوعة اللجوء في المسرح السوري – الألماني" فحاولت استكشاف الكيفية التي تطرح من خلالها موضوعة اللجوء في المسرح السوري – الألماني في المسارح الألمانية، ومعرفة في ما لو يساهم هذا الطرح في تنميط صورة اللاجئ السوري في المجتمع الألماني أم العكس؟ ذلك من خلال دراسة تحليلة لمجموعة من العروض المسرحية السوريّة التي قدمت على مسارح ألمانيا خلال العامين 2017 – 2018. وتطرقت الى ثلاث أعمال مسرحية عالجت موضوع اللجوء ‏السوري خلال ‏السنوات الثلاثة الماضية. و"تعد موضوعة اللجوء التي يتطرق إليها المسرح السوري الذي يقدم في ألمانيا اليوم، واحدة من الموضوعات الأساسية التي يحاول الفنانون التأثير عبرها على الرأي العام وجذب انتباه الجمهور إلى قضية اللجوء".

نخلص ‏الى أن الأزمة السورية أثْرت -على ضراوتها- ‏الأعمال الفنية والأدبية السورية ووسعت ‏رقعة ‏الحوار في اختيار المواضيع وطريقة معالجتها كما ساهمت في خلق وعي فني عند ‏جيل الشباب.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024