قناة "إم تي في"، تُزايد، مسيحياً، على "أو تي في" العونية (التي بثت فيديو "يسوعي" ولّفه مناصرون من وحي مقالة باسيل). "إم تي في"، مَلَكية العهد أكثر من الملك، ندمت وتراجعت عن فيلم "المسيح"، كطفل قرّعه أهله، فدافع قليلاً عن نفسه، ثم أذعن واستكان في زاوية غرفته. أما "أو تي في" البرتقالية، فقالت في بيان إنها لا تتبنى فيديو "دقت ساعة قانون الحرية"، وأنها عرضته "في إطار مواكبتها اليومية لما يتم تداوله عبر مواقع التواصل".. لكن، عملياً، اي فروق جوهرية بين أجندة/ضوابط القناتين المسيحيتين، و"المنار"؟ أو حتى قناة "الخلافة" وإذاعة "البيان" الداعشيتين؟
يستحوذ "داعش" على المخيال المسيحي اللبناني، ليس خوفاً/تخويفاً منه فحسب، بل تماثلاً به أيضاً. غار المسيحيون من الحليف الشيعي القوي، الهاتف جمهوره للزعيم "لبَّيكَ". ويغارون الآن من العدو السنّي المدافع بالدم عن ربِّه ونبيِّه وتعاليمه، والأهم... دولته. غيرة العَصَب، الشدّ المَوتور، والذي غالباً ما ينجح في ظل التركيبة اللبنانية، فها هو الوزير جبران باسيل يمتطي حماراً، في "أحد الشعنينة" تمثلاً بالمسيح.
لا يسع عاقلاً سوى التمنّي أن يغاروا من نماذج أفضل.. لكن هذا ما حصل ويتكرّس.
لنعُد قليلاً إلى الوراء:
خطاب وزير الخارجية جبران باسيل، خلال ندوة في "معهد وودرو ولسون" في واشنطن مؤخراً، عن أن اللبنانيين يحاربون "داعش" منذ مئة سنة، وبسبب "الداعشية" هاجر ثلث اللبنانيين (أي المسيحيين)، وقضى الثلث الثاني تحت حصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وثلث ما زال يحارب.. في حين أن "العدو التركي" لم يكن آنذاك إسلامياً متطرفاً، بل استحضر الإرساليات التي أسست "الجامعة الأميركية في بيروت" و"جامعة القديس يوسف". أما الشهداء الذين أسقَطَهم – مسلمين ومسيحيين – فكانوا رواد العروبة، لا اللبنانوية بمعناها الراهن.
قبل ذلك، كانت مشادّة العام الماضي، والتي استمرت أسابيع، بين النائب العكّاري خالد زهرمان، ووزير التربية آنذاك، العوني الياس بوصعب، حول تعيين مسيحي عوني رئيساً للمنطقة التربوية في عكار. وقتها، ذكّرت "إم تي في" بالتوزيع الطائفي على أساس المناصفة بين مسلمين ومسيحيين لثماني مناطق تربوية في لبنان. في حين أصرّ زهرمان على أنه يدافع عن حق مسيحي عكاري آخر، ذكَر أن اسمه جورج داوود، وهو برأيه المؤهل للمنصب الذي قرر بوصعب تعيين عونيّ فيه. "إم تي في" وصفت زهرمان بالداعشي. وإذ يصعب اعتبار الرجل من بين النواب اللبنانيين الأكثر حصافة وصواباً في السياسة، إلا أن زهرمان، هذه المرة، "داعشي"، لأنه خالف مسؤولاً مسيحياً عونياً.
ومِن قَبل، في آب 2015، نظم مناصرو الجنرال ميشال عون اعتصاماً احتجاجياً على التمديد لقائد الجيش جان قهوجي، أيام حكومة الرئيس تمام سلام، ورفعوا لافتات، من بينها علم "تيار المستقبل" مع عبارة "الدولة الإسلامية – إمارة لبنان"، و"ليس كل المتطرفين بلِحى، بل يمكن أن يكونوا برؤوس صلعاء" (في إشارة إلى الرئيس سلام)، ورفع الوزير العوني السابق، نقولا صحناوي، صورة قرد بربطة عنق زرقاء (في إشارة إلى لون "تيار المستقبل") كُتب فيها "داعش يمكن أن يرتدي ربطة عنق". يومها، حمّل العونيون، السنّة، مسؤولية القرار الذي حال دون صعود صهر الجنرال عون، شامل روكز، إلى المنصب. في حين أن التمديد لقهوجي، في الحقيقة المعروفة، نتج عن توافق سنّي-شيعي-درزي. كما لم يكن الاعتصام العوني- الداعشي هذا، هو الوحيد من نوعه، إذ تكرر بدعوى خلافات "دستورية" و"قانونية" أخرى مع الرئيس سلام.
ولا تُنسى "الجدلية العونية"، إزاء اللاجئين السوريين في لبنان الذين "يستنزفون الموارد والمساحات العامة والخدمات"، وطبعاً باعتبارهم مسلمين وسنّة، أكثر منهم سوريين بأعداد يضيق بهم لبنان الذي، ويا للمفارقة، لطالما كانت موارده ومساحاته وخدماته بألف خير. واللائحة تطول، وستطول أكثر.
هكذا، يزداد شعار "داعش" حول فِكرِه الباقي والمتمدد، صِحةً وقوةً. وهكذا، يزداد الخطر "الداعشي" في خطاب يرشح زيتاً، تماماً كالدم المراق من أعناق جزّتها سكاكين الملتحين.
فيديو "عوني" مستوحى من مقال كتبه جبران باسيل في جريدة "النهار" بتاريخ
8 نيسان 2017، مستعيناً باستعارات دينية لترويج قانون "مُنصِف" للانتخابات