خنفساء هتلر... نهاية أسطورة

المدن - ثقافة

الخميس 2019/07/11
أنتجت شركة "فولكسفاغن" آخر سيارة "بيتل"، الأربعاء، لتنهي رحلة هذا الطراز الذي استمر انتاجه منذ الحقبة النازية، وتمكن من البقاء خلال ثقافة الهيبي المضادة، لكنه فشل في تجاوز تحول أذواق الزبائن إلى سيارات الدفع الرباعي. وعلى وقع موسيقى من التراث الشعبي المكسيكي، جرى الاحتفال بإنتاج الوحدات النهائية من السيارة في مصنع فولكسفاغن في ولاية بويبلا في وسط المكسيك، بعد أكثر من ثمانين عاما على طرح هذا الطراز في ألمانيا. وقال شتيفن رايتشه، الرئيس التنفيذي لفرع فولكسفاغن في المكسيك، إن مصنع الشركة في بويبلا، الذي ينتج بالفعل سيارات الدفع الرباعي تيجوان، سيبدأ أواخر العام المقبل تصنيع سيارات "طارُق" بدلا من "البيتل".


وأنتجت السيارة "بيتل"، أو "الخنفساء"، المرة الأولى، العام 1938 كسيارة رخيصة الثمن، بأمر من أدولف هتلر، لتشجيع الألمان على حيازة السيارات بأسعار زهيدة، وكان شعارها مثل شعار النازية. وبعد الحرب العالمية الثانية، حذفت علامة النازية، وحل محلها ما يشبه المسننات، مع الحفاظ على حرفين دلالة على اسم الشركة. واذا كانت سيارة "ليكسوس" التي كتب عنها توماس فريدمان، علامة لفهم "العولمة" والتحولات والسرعة في العالم، وهو قابَلها بشجرة الزيتون التي تعني الجذور، فسيارة "فولكسفاغن" علامة لفهم النازية. ففي شباط/فبراير 1933، وبعد أقل من شهر على تسلمه السلطة، أعلن هتلر أنه سيجعل صناعة السيارات إحدى أولويات سياسته، وبصورة غير مباشرة أداة لدعايته. والسيارات هي إحدى الصناعات التي تفضلها الحكومة، باعتبارها علامة خارجية على قوة "الأمة الألمانية". وشهدت ألمانيا ارتفاعاً كبيراً في عدد السيارات تحت حكم هتلر، في العام 1932، كان العدد يقارب 561 ألف سيارة لنقل ركاب. وبعد أربعة أعوام، قفز العدد إلى 961 ألف سيارة.

والنافل أنه في نهاية العشرينات، أدت السيارة دوراً مهماً أثناء الأزمة الاقتصادية، ما شجع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، على تعبيد الطرق السريعة لتشغيل العاطلين عن العمل، ونسج موسوليني على منواله في ايطاليا. وطبّق هتلر هذه الفكرة في المانيا، وراقب عن كثب شركات السيارات، وكان يوجه لها الأوامر، مثل الحد من عدد من النماذج. وشدد مؤيدو النظام النازي على "القوة" و"السرعة" في خطاباتهم. وكانت هذه الإرادة قبل إنشاء شركة "فولكسفاغن". ودفعت الدولة الألمانية، في وقت مبكر جداً، بشركات صناعة السيارات مثل "مرسيدس" و"أوتو يونيون" للمشاركة في سباقات السيارات كسباق الجائزة الكبرى ومسابقات أخرى، إضافة إلى دعمها الكبير لتطوير تقنيات متقدمة.


حلم بدأ نازياً (أ ب)

وفي حين كان اهتمام الحكومة الألمانية في مجال صناعة السيارات يزداد، كان المهندس فارديناند بورشيه عاطلاً عن العمل، بعدما استقال من منصبه كمدير فني لشركة "دايملر" العام 1931 وكان عمره 56 عاماً. وقرر بوشيه أن يؤسس مكتباً للدراسات وفي ذهنه فكرة استحداث علامة تجارية خاصة به، فضلاً عن إنتاج سيارة رخيصة للجماهير. قاد فريقا صغيرًا لتلبية أول طلبية لمكتبه من شركة Zündapp التي أرادت إنتاج سيارة شعبية. حدد الفريق كراسة مواصفات غير تقليدية: محرك في الخلف، هيكل بعمود فقري، عجلات مستقلة وقضبان الالتواء. ولم يستجب لطلب Zündapp باستعمال محرك نجمي بـ5 أسطوانات، فقد صمم بورشيه محركاً بـ4 أسطوانات مبرد بالهواء. تم تركيب 3 نماذج من (Type 12)، لكنها بقيت غير مقنعة. وبدأت شركة Zündapp تشهد صعوبات مالية كبيرة، ومن ثم قررت التخلي عن المشروع.

تحول بورشيه لشركة NSU وأقنع مسؤوليها بأهمية أبحاثه. فخصصت له قروض سمحت بتوسيع مكتب دراسته والانطلاق في تطويرات مهمة. استطاع بورشيه فرض فكرته باستعمال محركات ذات 4 أسطوانات مسطحة وبنى واحداً بسعة 1500 سم3 ينتج 30 حصاناً ويحقق سرعات تصل إلى 115 كلم/س. كانت خطوط السيارة دائرية ومنحدرة للأسفل، ورغم أضوائها التقليدية جدا، إلا أن ملامح سيارة "البيتل" بدأت في الظهور. ومرة أخرى شيدت ثلاثة نماذج من (Type 32). لكن بورشيه اضطر للتوقف عن تطوير المشروع مجدداً، في المقام الأول لأن شركة "فيات"، شريكة NSU، طالبت بالوقف الفوري للمشروع الذي يمكن أن ينافس سياراتها، وبعد ذلك لأن مبيعات شركة NSU من الدراجات النارية ارتفعت وتوجب على الشركة تحويل سلاسل الإنتاج بسرعة لتلبية الطلبات.


في محطة بنزين في ألمانيا 1954 (أ ب)

تحت نظام هتلر، انطلق سباق للحاق بإنتاج الولايات المتحدة وبريطانيا، لا سيما في ضوء تلميحات لحرب مقبلة. وفي الوقت نفسه، أخفى النظام نواياه عن الشعب الألماني، واعداً إياه بتحسين مستوى المعيشة. استغل هتلر معرض جنيف الدولي للسيارات في العام 1934، ليعلن نيّته إنتاج "سيارة الشعب" لتكون في متناول الجميع بالاعتماد على الإنتاج الضخم والاستهلاك الكبير، حتى يتجسد حلم الديكتاتور بإعطاء الألمان نسخة ألمانية من سيارة "فورد" طراز "تي". أقنع هتلر صنّاع القرار في نقابة صناعة السيارات بتوقيع عقد مع شركة بورشيه لإنتاج هذه السيارة الجديدة، التي تمولها الدولة. وبالتنسيق مع شركة بورشيه، رُسمت الخطوط الأولى للسيارة الألمانية "فولكسفاغن".

أُعلن عن السيارة في 26 أيار/مايو 1938، بمناسبة وضع حجر الأساس لمصنع فولفسبورغ، وسميت رسميا KdF-Stadt  وKdF اختصار لـ Kraft durch Freude أي "القوة من خلال الفرح او السعادة"، وهو أيضاً اسم فرع من جبهة العمل النازية. وداخل الشركة المصنعة، كانت معروفة بأسماء رمزية: Type 1 و1100 و1200 و1300 و1500 و1600، وهي أسماء مرتبطة بحجم الأسطوانات المستعملة في المحركات المختلفة. أما الجماهير فمنحتها العديد من الألقاب الشاعرية، وأسماء حيوانات مختلفة، مستوحاة من خطوطها الدائرية : (بالألمانية: Käfer) ألمانيا (خنفساء) (بالإنكليزية: Beetle) (خنفساء حتى الآن) في المملكة المتحدة، (بالإسبانية: Escarabajo) إسبانيا (خنفساء، دائمًا)، (بالإيطالية: Maggiolino) (خنفساء) إيطاليا، أو (بالفرنسية: Coccinelle) (دعسوقة وتلفظ "كوكسينال") في فرنسا. كان الغرض الوحيد لهذا الفرع هو تحويل انتباه الألمان من خلال تقديم الترفيه لتعزيز التزامهم بالنظام. واتضح أن الإنتاج الضخم لـ"فولكسفاغن" هو لخدمة أغراض الدعاية أكثر منه رغبة حقيقية في نشر السيارات في البلاد.


سيارة شرطة الأحداث - مساتشوستس 1976 (أ ب)

أخّرت الحرب العالمية الثانية، إطلاق سيارة "بيتل"، وفي نهاية الحرب العالمية الثانية، كان مصنع فولفسبورغ مجرد حقل كبير واسع من الأنقاض. ووقعت منطقة من فولفسبورغ في حوزة القوات الأميركية، وسلم المصنع للقوات البريطانية بموجب اتفاقات بين الحلفاء. تولت وحدة REME بالإنكليزية: Royal Electrical and Mechanical Engineers، مسؤولية إعادة تشغيل الآلات التي دمرتها الحرب. ومن أجل تقييم الأضرار، أرسل الميجر البريطاني إيفان هيرست الذي اكتشف سيارتين اثنتين من KdF أعاد بناؤهما بعض عمال المصنع طواعية، وأذهلته هذه الإرادة وأعجبته هذه السيارة الغريبة، فقرر من تلقاء نفسه إعادة تشغيل المصنع. أنتج المصنع 1٬000 نسخة شهرياً في حين كان يرتقب إنتاج 1٬800 سيارة في اليوم الواحد، ووجه الإنتاج لقوات الاحتلال فقط. عندما ترأس هاينريش نوردوف شركة "فولكسفاغن"، وهو إطار سابق في شركة أوبل، كان إنتاج "البيتل" قد بدأ بالفعل. ومع ذلك، فإن دوره لم يكن يُهمل في تاريخ البيتل. فهو المسؤول عن جودة بنائها النسبي وعن تأسيسه شبكة توزيع، وخدمة ما بعد البيع متميزة، وهذه كانت من العوامل الحاسمة في نجاح "البيتل".

في كتاب حروب السيارات (Car Wars)، يقول المؤلف J. Mantle أن فرديناند بورشيه اعترف بأنه استوحى تصميم سيارة البيتل إلى حد ما من موديل الشركة التشيكية "تاترا" V570. ومن المرجح أن يكون بورشيه قد عانى ضغوط أدولف هتلر المكثفة، والذي أراد من هذا المشروع الكبير إنجازاً سريعاً لأسباب سياسية. في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين، قد يكون بورشيه استخدم براءات اختراع مختلفة لتاترا لضيق الوقت والكلفة. وكان هتلر قد طلب عدم عرض نموذج T77 في معرض برلين للسيارات، لأن الشبه بين نموذج T77 والبيتل يمكن أن يلقي بظلاله على هذه الأخيرة. لذلك قدمت شركة" تاترا" عشر دعاوى قضائية ضد شركة "فولكسفاغن"، وكان بورشيه على ما يبدو على وشك التوصل إلى اتفاق مع "تاترا" عندما أوقفه هتلر، الذي قال له بأنه "سيتولى حل المشكلة". وبعد وقت قصير، تعرضت تشيكوسلوفاكيا للغزو الألماني وتمت السيطرة على مصانع "تاترا". 


ممهورة بشعار السلام والهيبيز في مكسيكو سيتي 1967 (أ ب)

بعد الحرب العالمية الثانية، ونجاح "البيتل"، عوضت "فولكسفاغن" شركة "تاترا" بمبلغ 3 ملايين مارك ألماني، وكانت هذه الأخيرة تعتقد بأن تكنولوجيا وتصميم "فولكسفاغن" من أعمالها. وصلت مبيعات تصميم "الخنفساء" بحلول العام 1955 إلى المليون سيارة بعدما زاد الإنتاج بشكل كبير. وفي العام 1964، اشترت "فولكسفاغن" شركة "أودي" الألمانية، كما اشترت NSU Motorenwerke لتندمج مع "أودي" وتنشئ شركة "أودي الحديثة" بعلامتها التجارية كسيارة فاخرة. وأُنشأت مجموعة "فولكسفاغن" كشركة قابضة لتنامي صناعة السيارات في العام 1975، ووقّعت في العام 1982 عقد تعاون مع الشركة الإسبانية لصناعة كراسي السيارات. كما وقعت في العام 1991 اتفاقية تعاون مع شركة السيارات "سكودا" التشيكية لتملك "فولكسفاغن" 70% من الشركة بحلول العام 1995. كما كان العام 1998 حافلاً بعمليات الاستحواذ التي سيطرت بها الشركة على أسماء شهيرة في عالم صناعة السيارات، امتدت إلى السيارات الفاخرة، مثل "بنتلي" البريطانية، و"بوغاتي" الفرنسية، وصناعة السيارات الرياضية في إيطاليا "لامبورغيني"، كما اشترت "فولكسفاغن" صانع الدراجات النارية الإيطالية "ديوكاتي".

ومع مرور الوقت واستحواذها على المزيد من الشركات، غيرت "فولكسفاغن" فلسفتها المعتمدة على فكر هتلر، فلم تعد تهدف إلى إنتاج سيارات اقتصادية في متناول الجميع، لتتحول إلى سيارة تميل إلى الفخامة والرقي، وتزاحم مواطنتيها "مرسيدس" وBMW على حصة في سوق السيارات الراقية، لا سيما عبر شركتي "بورشه" و"أودي". وفي العام 2014، باتت "فولكسفاغن" واحدة من كبرى شركات السيارات في العالم؛ فلديها مصانع في 31 دولة وتباع منتجاتها في 153 دولة بالعالم.

ووصل حجم مبيعات الشركة خلال 2016 إلى أكثر من 10 ملايين سيارة، فقد باعت 4.2 ملايين سيارة في أوروبا، وفي آسيا ومنطقة المحيط الهادئ باعت نحو 4.3 ملايين سيارة، كما باعت 975.6 ألف سيارة في أميركا الشمالية والجنوبية، لتزيد بذلك نسبة مبيعاتها في 2016 عن العام السابق له بنحو 3.8%...

وتتبع "فولكسفاغن" الآن نحو 12 شركة؛ منها علامات تجارية فاخرة مثل "بنتلي" و"بوغاتي"، و"لامبورجيني"، و"بورشه"، و"دوكاتي"، بالإضافة إلى "أودي"، و"سيات"، و"سكودا"، وكذلك "سكانيا" و"مان".

في سبتمبر/أيلول  2015، وقعت "فولكسفاغن" في أزمة وفضيحة عالمية بعدما كشفت وكالة حماية البيئة الأميركية، أن الشركة زودت نحو 482 ألف سيارة بأجهزة تمكّن المحركات من معرفة أوقات اختبار الانبعاثات، ما يجعلها تُحسّن من أدائها وقت الاختبار لتتمكن من اجتيازه.
"فولكسفاغن" قدّرت عدد السيارات التي طرحتها بالسوق مزودة بجهاز التحكم في الانبعاثات بنحو 11 مليون سيارة في مختلف بلدان العالم. ودفعت تلك الأزمة، الرئيس التنفيذي، مارتن فنتركورن، إلى الاستقالة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024