عمل كيفورك كساريان غير المكتمل

روجيه عوطة

الثلاثاء 2021/02/09
ماذا يعني العمل غير المكتمل الذي يشير اليه فادي توفيق في كتابه عن كيفورك كساريان(*) بالانطلاق من عنوانه جمعاً إلى خاتمته؟ نافل هو هذا الاستفهام عند الاطلاع على سيرة كساريان، بحيث أنها تدور حول ذاك العمل، وهذا، لتكون مصنع إنتاجه، اي لجعل كل الأعمال خلالها، وهي من الأفلام على غالبها، من قبيله. فتستقر سيرة كساريان تلك على كونها سيرة وضعه له مرة بعد أخرى، تاركاً اياه من دون كماله، وبهذا، لا يخلص منه إلى ما يسمى "إنجازاً" في رطانة "حسان-ديابية" (نسبة إلى رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب ومجلداته الجميلة). فكساريان، ولأنه "سينمائي مؤجل"، هو من دون إنجاز، ووضعه هذا يمكن قلبه إلى العكس عند الاعتقاد بأن إنجازه الوحيد هو كونه بلا إنجاز.

طوال التنقل مع توفيق على مقالب مسيرة كساريان، ثمة دوماً ما يلح في الخاطر أو عليه، وهو مشكلة تتعلق بدور العمل الذي يسعى هذا السينمائي اليه في سياق الحرب اللبنانية. إذ أن العمل، واي عمل، في ضوء هذه الحرب، في ضوء آثارها المتمادية، في ضوء اللاحق عليها، لا ظرف مؤاتياً له. بالإضافة إلى أنه، وحين يطعن في معناه، سرعان ما يغدو، وحيال "واقعها المخاتل"، من دونه. فلا شيء يمكن أن يتماسك أمامها، ولا شيء يمكن أن يضاهيها، لا سيما أنه، وفي ضوئها اياه، يبدو، وكمنزل كساريان عندما اصابته قذيفة خارقة حارقة متفجرة، مترمداً، ولا شيء يتبقى منه سوى أطلاله. بالتالي، وحين يكون العمل في نتيجة واقعها ذاك غير مكتمل، فهذا ما يتعلق بكونه مواجهاً لها، ليس بمعنى مقاومتها فحسب، انما، وايضاً، بمعنى أن تركها لمفعولها فيه هو ترك مباشر. فلا-اكتمال العمل هو المسعى في ضوئها، كما أنه تلف هذا الضوء له على حد سواء، لكن هذا التلف لا يقضي عليه بالمطلق، بل، وعلى العكس، وفي حالة كساريان، يفضي الى ولادة غيره. كما لو ان هذا السينمائي يقفز من عمل إلى ثانٍ بعد تلفه من قبل ضوء الحرب ذاك، وقفزه هذا لا يتواصل سوى بشرط ألا يستكمل عمله وألا  توقف الحرب إنتاجه.

لكن، كساريان يتعب من القفز. ففي حال كانت سيرته مصنع إنتاج كل عمل كعمل غير مكتمل، فهي، وفي الوقت ذاته، سيرة الرمي إلى الإقلاع عن هذا الإنتاج. فيمكن قراءة سيرة كساريان، أو بعض مقالبها الرئيسية، كأنها تتعلق بابتغائه التوقف عن القفز من عمل غير مكتمل إلى ثان. وفي هذا السياق، هي تنطوي على اشكالية حول إن كان كساريان يريد، وبابتغائه التوقف عن القفز، أن ينتج عملاً مكتملاً أم لا. على الأرجح انه، وبذلك، كان يريد وضع حد لضوء الحرب اكثر مما يريد هذا العمل. فكان من الممكن لكساريان ان يحظى به، بما هو إنجاز، من دون أن يضعه حتى، وهذا، من  خلال الحضور في وسطه السينمائي على أساس ان يتجنب ما يحدده بكونه "مكاشفة". لكنه فضّل العكس، متخلياً عن العمل المكتمل اياه، أو عن دعايته، وماضياً إلى انتاجه بما هو من دون اكتمال.

فعلياً، سيرة كساريان هي سيرة كل شغيل يذهب في وجهته بحثاً عن إنتاج يتعلق، لا بالحرب كوقائع، لكن، بكل آثارها، مثلما يتعلق بكل واقع شبيه بواقعها. إذ أنه، وفي المحصلة، ستكون أعماله غير مكتملة، وصفتها هذه ليست إشارة إلى نقصانها، انما، وعلى العكس تماماً، هي إشارة إلى كونها تواجه موقفها، وتخرج من بين مقاومتها له وتلفه لها. وبعبارة أخرى، هي إشارة إلى كل إبداعيتها. فحين لا يرضخ العمل ليكون إنجازاً، أي حين لا يرضخ لدعاية العمل التام، التي تنكر لا معناه مقابل الواقع نفسه، يستوي على كونه غير مكتمل، وبغياب اكتماله، يكون هو العمل بحد ذاته.

(*) الأعمال غير المكتملة لكيفورك كساريان، دار نوفل. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024