نحن السيّاح والجيران المتخيلون.. والقمر عادي

روجيه عوطة

الأربعاء 2017/08/30
ما على الذاهب إلى مهرجان "نحنا والقمر والجيران" أن يقرأ النص القصير، الذي افتتحت "مجموعة كهربا" برنامجها الإحتفائي به. بل عليه أن يغض النظر عنه، أو يسرع إلى قلب صفحتيه، بسبب ما يحتويه من ضخامة كلامية وشعاراتية، وبالتالي، لا بد له أن ينتقل مباشرةً إلى قراءة البرنامج، ومعاينة مواقيته، وعندها سينتبه إلى أن عدداً من عروضه، قد جرى تقديمها في بيروت من قبل. 

لكن، لا بأس، فهذا المهرجان، أو بالأحرى الميكرو-مهرجان، وبعد ست سنوات على إنطلاقه، ما زال محافظاً على جوّه، الذي يجمع بين الترفيه والإحتشاد بصلة فنية مختلفة الأنماط، أكانت موسيقية أو حكواتية أو مسرحية أو أدائية. كما أنه، البارحة، بدا الوحيد، الذي يقدر على إختراق التشوه الذي يصيب أرجاءه، أي منطقة مار مخايل-النهر، ودرج الفاندوم تحديداً، مرفداً إياهما بجلبة مبرقشة وخفيفة، ينتجها رهط من الأناس، الذين، ولولا تسلل سكان الدرج وحوله إليهم، لظهروا بوجوههم المألوفة والمكررة خلال المناسبات الثقافية.

ثم، ما على الذاهب إلى "نحنا والقمر والجيران" أن يتوقف كثيراً عند مشهديته، التي تقدم هوية موضعها المتعلقة بالجيرة بطريقة فولكلورية أو شبه فولكلورية، لا علاقة لها بالشعبي بقدر ما تتصل بالأهلي، وبتخيل منصرم عن مسالكه وأسمائه، وبينهما مأكله. على قاصد المهرجان ألا يعير إهتماماً كبيراً لهذه المشهدية، بل ان يتوجه إلى المدرسة الأرمنية لمتابعة "أصل الحكاية"، التي كتبها وأخرجها وأدّاها أوريليان الزوقي وإريك دونيو، أو أن ينتظر طلاب المعهد الوطني العالي للموسيقى في حديقة الجدة جورجيت لكي يعزفوا "رباعيتهم الشرقية"، وقبل وصولهم، يستمع إلى قصة "مجانين وملوك" لشانتال مياك.

وفي أثناء ذلك، ما عليه أن يلاحظ ما يدور في خاطر رفاقه الفنانين، الذين يجهدون نفوسهم في الإقتناع بأنهم، وعبر حضورهم في نواحي المهرجان، يحققون فانتازم الإقتراب مما يسمى "الشارع"، والإحتكاك به. لا مناص له من ترك هذه الملاحظة جانباً ومؤقتاً، لمشاهدة فيلم "جغرافيات" لشغيك أرزومانيان، الذي يتناول رحلة نازريت ولوسابير من موطنهما الأرمني إلى بلدهما اللبناني، أو يلاحق رسوم حنان القاعي المستوحاة من كتاب "لسانك حصانك"، الذي ألفته فاطمة شرف الدين للتمرين على اللفظ.

بين عرضين أو أكثر، بمقدور قاصد المهرجان أن يشرب كأساً من الكحول، ويتذوق بعض الطعام، وخلال ذلك، يدرك أن التفاعل بين الجيران والقادمين غير متوازن، بحيث أن سكان الدرج يستقبلون المحتفلين، أي الذين يحملون ضمير الرفع المنفصل "نحنا"، على عتبات منازلهم وفي حدائقهم، في حين أن المحتفلين يغلب عليهم طابع السيّاح، كما لو أنها المرة الأولى التي يزورون فيها حيّاً مثل حي الفاندوم. لكن، وقبل إطالة التحديق في التفاعل بين الطرفين، تبدأ مسرحية "المعلمية ما بدها علم" لفرقة "كون"، أي راوية الشاب وأنطوان بوجيه، التي تتطرق إلى ظروف وأحوال العمالة الأجنبية المتعرضة للإستغلال والتعسف، وعندما تنتهي، تعود خلود ياسين مع "أبطالها" إلى وسط المدرسة الرسمية، ومثقال الزغير بـ"إزاحته"، ومعهما، "دارة دوارة" لفرقة "منوال".

ولما يتنقل قاصد المهرجان من زاوية إلى أخرى، يستفهم عن القمر، الذي يتوسط بين "نحنا" والجيران. فهل هو قمر الفن مثلاً؟ لكن، وفي حال كان كذلك، فعندها، يكون نوره عادياً. هل هو قمر الاجتماع؟ لكن الإحتفال لا يستطيع سوى إبانته، قبل أن يختفي من تلقائه. وهل هو قمر التنشيط؟ لما لا، فالمهرجان فعلياً ينشّط الدَّرَج وحيَّه، ويجعل منهما مكاناً للتسلية والتجمع في الهواء الطلق، ومع ذلك يبقى قمره سريع التبدد، ولو انتقل لاحقاً إلى حمّانا. لا حاجة إلى الإجابة عن هذا الإستفهام فوراً، ففرقة "غربالا"، التي تسعى إلى تحديث الأغاني الأرمنية القديمة، ستعزف على الدرج الكبير، وتُطرب سامعيها بمقطوعاتها، فتنسيهم أن مجيئهم إلى المهرجان قد تم، وهذا ربما يدفعهم إلى معاودة الكرة مساء اليوم أيضاً.


(*) مهرجان "نحنا والقمر والجيران" - بدورته الخامسة - يبدأ اليوم في بيروت!
بيروت | ٢٩-٣٠ آب على درج الفاندوم - مار مخايل
حمّانا | ٢-٣ ايلول في بيت الفنّان حمّانا
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024