"حزب الله" والجهاد الزراعي... بذور الريح وحصاد العاصفة

محمد حجيري

الخميس 2020/07/09
يسع المراقب لإطلالات أمين عام "حزب الله"، حسن نصرالله، وخطبه في مواجهة أميركا وعقوباتها، أن يلاحظ أن كلماته الجهورية، بدأت بنوع من مكابرة على الحصار الأميركي والاستخفاف بنتائجها، والقول إنه يدفع لعناصره بالدولار، وتدرجت الى "الاتجاه شرقاً"، وإطلاق عبارة "نحن حنقتلك" رداً على مجهول يحاصر الحزب.. والآن، مع انهيار الليرة اللبنانية وتصدع حياة المواطنين ويومياتهم، يطل نصرالله لكي يدعو الى "الجهاد على الصعيدين الزراعي والصناعي"، بعد أيام على اعلان وزير الصحة انتصاره على الكورونا بفضل الثلاثية الذهبية الجيش والشعب والمقاومة... وربما قريباً نسمع خطاباً يستحضر فيه نصرالله الميتولوجيات الدينية في مواجهة البيت الأبيض...

لا أدري إن كان "حزب الله"، الذي يدعو أمينه العام إلى إعلان "الجهاد على الصعيدين الزراعي الصناعي"، يعي أنهما (أي الصناعة والزراعة) لا ينفصلان عن الدولار والاقتصاد العالمي واحتكار السوق. وأن الزراعة، بات جوهرها يتعلق بأبحاث ومختبرات وتهجين بذور ومنافسة، قبل أن تكون مجرد حقول وأراض شاسعة نزرعها، ننتظر ثمارها أو حبوبها أو خضرها، وأن البقر لم يعد في عدده بل في جودته... هل يعرف الحزب ثمن البذور والأسمدة والبلاستيك والأعلاف، وهي بالدولار، كما غيرها من المواد المستوردة؟ هل يعرف أن معظم سكان لبنان أصبحوا في المدن؟ هل يزرعون الشرفات والأسطح والأرصفة؟ هل يعرف أن معظم المنتجات الزراعية لا يرد كلفته الآن؟ وإذا كان بعض الصناعات الوطنية استفاد من غلاء الصناعات الأجنبية، فالأمر يختلف في الزراعة. فكيلو البطاطا كلفته أعلى من ثمنه، وكذلك الخيار والبندورة. هل يدرك "حزب الله" أن مشاكل المزارعين اللبنانيين تتعلق بالتوتر بينه وبين بعض البلدان العربية؟ إلى جانب مضايقات النظام السوري على الحدود، وهذه كلها تتعلق بالسياسة؟...

هل يدرك حزب الله أن "جهاد التهريب" الزراعي، يتفوق على زراعات اللبنانيين ويخرب بيوتهم، كل موسم؟ هل يدرك أنه عمم ثقافة التفرغ الحزبي، بمعنى أن جيلاً كاملاً من الشبان، تركوا أراضيهم وبساتينهم لمصلحة الالتحاق بالحزب وتلقي دورات عسكرية وإيديولوجية، ووجدوا في الرواتب الحزبية طريق حياتهم، وأهملوا الزراعة ومشقاتها اليومية. وهم إما سكنوا في بيروت وضواحيها، أو يمضون وقتهم في السراديب والخنادق المجهزة في سوريا ولبنان وربما العراق واليمن. على أن حزب الله أكثر ميلاً إلى مؤسسات الربح السريع وليس الزراعة ومحنتها. فنجد صخبه المالي في اغتراب إفريقيا وأميركا اللاتينية وفي محطات البنزين وتجارة العقارات والدواء وحتى المجوهرات والحديد والأسمنت والمواد الأولية...

هكذا، من بعد سنوات من الانتصارات الرنانة والضجيج والقبضات المرفوعة وهتافات "الموت لأمريكا"، هل وصل "حزب الله" الى قناعة بأن الصواريخ لا تطعم خبزاً، وأنها في لحظة الشدة، إما تصنع حرباً تفتك بكل شيء، بالحجر والبشر، أو تتحول خردة في المستودعات؟... وعلى هذا يدعو حزب الله الى الصمود من خلال الاهتمام بالبصل والنعناع.

بالمختصر، لبنان بلد عاجز عن إيجاد كهرباء لساعات، بسبب لصوصه الحاكمين ومحترفي زراعة الفتن والعصبيات الطائفية والعشائرية، كما قال أحد الأصدقاء، وعاجز أيضاً عن إطعام جنوده. من دون شك هو عاجز عن أدنى درجات الجهاد الصناعي والزراعي... ومن دون شك أيضاً، إن الجهاد الخطابي عن الزراعة سيطرح ثماره في حقول فايسبوك، تعليقات ساخرة ولهواً ومرحاً.

في السياسة، بالمعنى المجازي، يحصد لبنان ما زرعه بعض السياسيين. فهم زرعوا الريح طوال سنوات والآن يحصدون العاصفة، ويعلمون أن أحداً لا يقف في وجه صعود الدولار في ظل حكومات "تمشيط الشعر". وفي السياسة أيضاً، يضخ حزب الله، كل أسبوع، أطروحة جديدة في المواجهة، ويكابر على الاعتراف بأن سياساته الإقليمية الكونية، جرّت لبنان إلى أزمة كبيرة تضاف إلى أزماته الكثيرة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024