ولا يزال نصري الصايغ يبحث عن صورته

روجيه عوطة

الخميس 2018/06/14
مرّ عامان على أول معرض فوتوغرافي، "بيروت ربما"، قدمه الفنان نصري الصايغ، أو نصري، بحسبما لخص اسمه آنذاك. وخلال هذا الوقت، لم يتوقف هذا الفنان عن إنتاج صوره، والمشاركة مع غيره في عرضها، أو في عرضه إياها بمفرده داعياً إلى عدم التقاطها مرة أخرى، "رجاءاً ممنوع التصوير". واليوم، يوقع الصايغ كتابه التصويري "لياليّ أمر من أيامكم" (بلان ب-مار مخايل النهر)، مظهراً صلته ببرج المر، وبالتوازي مع ذلك، يواصل معرضه الجديد "كل شيء سيزول" (Beirut art residency، حتى 2 آب). بالتالي، ثمة مسعى لاستكمال الصلة بالصورة، ومسعى لتحويل الهواية إلى أكثر منها، احتراف مثلاً، أو إلى مزاولة متمكنة على الأقل. وفي سياق المسعى ذاته، هناك اكتراث بائن بجعل الصورة فسحة اختبار لها.

فالصايغ، وعلى حديثه مع "المدن"، لا يتعامل مع الصورة بوصفها مجرد وسيط، إلا أنها، وبالإضافة إلى هذا، بمثابة نقالة لمحمولها، وفي النتيجة، لا يمكن غض النظر عن شكلها الملموس، بل اكتشافه واستعماله. من هنا، استخدم الصايغ بقايا الأوراق التي طبع الصور عليها، وذلك، ليركبها بطريقة تصنع صورة أو شبيهها. فمهملات النقالة، التي تتألف من هوامشها أو أطرافها، أي مما جرى قصه منها، على قيمة واحدة معها، ذلك، لأنها، وعند تجميعها على بعضها بعضاً، أو توصيلها، من الممكن أن تغدو على نحوها. طبعاً، الصايغ يفصل بين هذه المهملات والنقالة للحفاظ على الأولى من تكاثر محمول الثانية، ولكن، وبذلك، كما في أحد معارضه، تظل الحدود بين الإثنين شاسعة وبعيدة.

على أن الصايغ لا يهتم بالصورة الفوتوغرافية فقط، غير أنه يبحث عن كل صورة أيضاً. فالفوتوغرافية هي طراز من طرز الصورة، وهو، وحين ينتجها، فغالباً على سمة أساس فيها، أي الإبهام الذي يعني الإلتباس مثلما يعني العتمة. بهذه الطريقة، أتت الفوتوغرافية في معارضه  كأنها تجسيد للإبهام، ولدواعيه، كسرعة التصوير، أو اكفهرار الطقس، أو جودة العدسة، فما يجب أن تكون الفوتوغرافية، أو الصورة على عمومها، نظيفة، وبلا شوائب، على العكس، أي أن تتخللها علامات من ظرف إنتاجها، أو من وضعه، فبهذا، تكون أقرب إلى كونها نقالة فعلية.


من هذه الجهة، انشغل الصايغ في الفترة الأخيرة، وهذا ما يقدمه في "كل شيء سيزول"، بالتطريز، أي بخياطة الصورة، بتثبيت محتواها بالخيوط والإبر. بهذا الإنشغال، ينوي الصايغ أن يجعل الصورة ملموسة أكثر، ومتماسكة أكثر، لا سيما أنها، وبسبب تزايدها وتكاثرها، فقدت أثرها، وصارت مفرغة منه. "ما هي الصورة اليوم؟"، يطرح الصايغ هذا السؤال على الدوام، يجيب عنه من خلال إلتقاطها وجعلها نقالة ليس لموضوعها بل لتخييطه، لكونه جسما، من المتاح تحسسه. على أن انشغال الصايغ  بتطريز الصورة يدل على أن هذه الصورة، ومع أنها ربحت قوامها الديجيتالي، أو الإصبعي، غير أنها خسرت يديويتها، ما عادت نتاج حركة فيزيقية طويلة، بل مقتضبة للغاية، ولهذا، وبعد أن كانت تجمد الزائل، صارت تزول معه.

يلاحظ الصايغ أنه لا يصور سوى المناظر، وليس الأناس، بحيث يصنع مناظر طبيعية ميتة، بحسب التقسيمة الكلاسيكية، وليس بورتريهات. فلا أحد يأهل هذه المناظر، أكانت لبنانية أم ألمانية، لا أحد يقيم فيها، وقد يكون ذلك، لأنها لا تزال في وقت تركيبها بصري، فلا يمكن أن تستضيف في إطارها أي غير لها ما دامت لم تستوِ حتى الآن. يعرف نصري الصايغ أنه لا يزال في مرحلة تشييد الصورة، التي سبقتها مرحلة التقاطها عشوائياً ومصادفةً، والتي قد تلحقها مرحلة تحول منظرها إلى منزلة. فبعد عامين على عرض الصورة، يستمر منتجها في البحث عن مبنى لها، يكون  وثيقاً، وقبل ذلك، يكون محسوساً.



©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024