مهرجان المسرح الأوروبي في بيروت: الذاكرة..من نيويورك إلى بغداد

منى مرعي

الجمعة 2019/09/27
بعدما قدمت البعثة الأوروبية، العام الماضي، سبعة عروض مسرحية في إطار المهرجان الأوروبي للمسرح، يجهد فريق صغير من المهتمين بالمسرح، ومن المحترفين، لتقديم النسخة الثانية من المهرجان، الذي يبدأ اليوم ويمتد 15 يوماً، ليقدم 12 عرضاً مسرحياً، خمس ورشات عمل، معرض، وبعض الندوات والطاولات المستديرة. 

تحتاج بيروت لمهرجان مسرحي بهذا الحجم، خصوصاً بعد انعدام المهرجانات الدولية أو الإقليمية التي، تضمّ عروضاً مسرحية من الخارج اذا صح القول. ولربما هذا ما يعطي للمهرجان قيمته، في إسترداد فضاءات مغايرة من التلاقي والتعبير المسرحي، بعدما تقلّص شيئاً فشيئاً دور مهرجان الجامعة اللبنانية الأميركية الدولي لمسرح الطلاب، حتى توقف نهائياً، وبعدما تقلّصت مساحات عروض مهرجان "ربيع بيروت" بسبب نقص التمويل، إذا استثنينا تجربة مسرح اسطنبولي (صور-جنوبي لبنان)، الذي ينظم مهرجانات تستقطب بعض العروض من اسبانيا ومن دولٍ أخرى، وإذا ما وضعنا جانباً بعض الفعاليات التي كانت تضم عروضاً من الخارج.   

ما يسعى إليه منظمو المهرجان هو تعزيز تواصل الثقافات بين لبنان وبلدان الإتحاد الأوروبي، وإيجاد "مساحات داعمة للمجال الثقافي وحقوق الإنسان، لا سيما حرية التعبير". عمل على تنسيق المهرجان وبرمجته، كل من توماس دلفان وراكيل كاستيس. وقد صرّح دلفان لـ"المدن" بأن "المسرح هو فن جماعي في كل الأحوال، وهو في حالة المهرجان الأوروبي جامع أيضاً لعدد كبير من الشركاء، بدءآً من الفنانين والتقنيين، وصولاً الى الإتحاد الأوروبي وما يمثله من أعضاء، والمعهد الفرنسي ومعهد غوتة، ومسرح المدينة، وعدد كبير من الأفراد الذين ينشطون كي يزدهر هذا المهرجان في بيروت". 

   
(من مسرحية "مكان" لتمارا السعدي)

يفتتح المهرجان بمسرحية "مكان" (Place) باللغة الفرنسية مع ترجمة بالإنكليزية والعربية، للمخرجة والمؤلفة تمارا السعدي. ينقل العرض رحلة ياسمين، التي فقدت قدرتها على القراءة والتي تعيد اكشتاف نفسها عبر طفل يحثها على العودة الى ماضيها، فتجد نفسها في بغداد تستذكر فصول حرب وذكريات، منقسمة بين عالمين متناقضين.

تبدو تيمة العودة الى الماضي واللجوء الى الذاكرة، متكررة في بعض عروض هذا المهرجان. فمسرحية "غبار" DUST  للمخرجة الرومانية آنا لامبرو، يقدم حكاية مزدوجة بين جدة وحفيدتها. كلاهما غادرتا رومانيا الى أميركا. الجدة غادرت في بداية القرن العشرين، والحفيدة تبحث بعد مئة عام عن بعض الإجابات الخاصة بحياتها، عبر استذكار حياة جدتها التي عايشت الحريق الكبير في نيويورك العام 1911. هو عرض يستخدم وسائط متعددة كالدمى وخيال الظل. كذلك، يقوم العرض الإيرلندي "شجرة الزيتون" على قصص فلسطين وتاريخها. بين الماضي والحاضر والمستقبل، رحلة واقعية سحرية تعبق بحكايات الكفاح، وينطلق من موظفة السوبرماركت المنهكة التي تمزّق ورقة "المقاطعة الإقتصادية" الملصقة على زجاجة زيت الزيتون.

سيكون لوركا حاضراً من خلال مختارات لأعماله. كلمات الشاعر ستكون مصحوبة بعزف على البيانو وبمقطوعات موسيقية  ليواكيم تورينا، أرنستو هالفتر، أنريكه غرانادوس، كلود ديبوسي وإدوارد غريغ. ستجمع إميليا إيكاي، نصوصاً من أعمال للوركا منها "عرس الدم"، "يرما"، "الأغاني الغجرية"، "شاعر في نيويورك"، "فارس أولميدو"... وما يجمعها هو الجملة التالية: "آلحلم ما زال ممكناً".

كذلك سيقدم العرض الإيطالي "بولتشينبلا"، شخصية من شخصيات الكوميديان ديللارتيه الذي كان شعبياً بين القرنين السادس عشر والثامن عشر. العرض الإيطالي الثاني بعنوان Don't Call them Bandits، جوهر أحداثه شقيقان، راعٍ وفلاح، في أواخر القرن التاسع عشر، قبيل توحيد إيطاليا، يتحولان الى قاطعَي طرق بسبب الظروف الظالمة، بينما تشهد إيطاليا أيضاً سلسلة من التحوّلات الشبيهة الناتجة عن انتقال الحكم من أسرة باربوني الى أسرة سافويا. خلّف انتقال الحكم هذا، سلسلة من التبعات والإنقسامات التي تُعرف بـ"قضية الجنوب" التي ما زالت إرهاصاتها حاضرة حتى اليوم. كما سيعرض True Danes، بخمس شخصيات تحكي حكاياتها لتجيب عن سؤال "ما معنى أن تكون شاباً في الدنمارك؟"، وقد أتى هذا العرض نتيجة ورشة عمل يإشراف فريق "كونتاكت".
 
أما حصة العروض اللبنانية من المهرجان، فبالإضافة الى العروض الثلاثة الناتجة عن ورشات العمل التي سيشارك فيها لبنانيون، ستقدم مسرحية "صفحة 7" لعصام بو خالد، فادي أبي سمرا وسرمد لويس الذي  صمّم السينوغرافيا وشارك في الإعداد. هذا العرض الذي قُدم للمرة الأولى العام 2007 في بيروت، هو محطة منتظرة لمن شاهده ولمن لم يشاهده بعد.

كذلك ستعرض كارولين حاتم "الزفاف" مستعينة بنص برتولد بريخت، وبوجوه عملت معها سابقاً، مثل جيسي خليل ويارا أبو حيدر، التي حصدت جائزة أفضل ممثلة في مهرجان المسرح الوطني عن دورها في مسرحية "البيت" للمخرجة نفسها. وهنا يبدو أن حاتم، تدور مؤخراً في مدار العائلة وما تحمل من تعقيدات علائقية تمظهر إشكاليات مجتمع بأكمله. مسرحية "الزفاف" وهي العرض الأخير في المهرجان، تدور حول "عرس عائلي يرغب جميع الأفراد فيه بالتظاهر بأنهم على ما يرام، بينما تتجه الأحداث من سيء إلى أسوأ".

لورشات العمل أيضاً مكانتها لدى طلاب المسرح، وتمتد لأيام منها ورشة البناء السردي والدراماتورجيا مع هنريك هارتمان ووحيد سيوي محمود من الدنمارك، وورشة السينوغرافيا الرقمية حول استخدام التكنولوجيا في المسرح وعلاقتها مع الفضاء والممثلين، وورشة "مكبث مفككاً" وغيرها من الورشات والندوات.

يرى دلفان أن هناك طاقات وإمكانات فائقة لمد الجسور بين فنانين من أوروبا ولبنان، بحيث يتحوّل المهرجان فسحة تبادل، تتيح في المستقبل انتاجات مسرحية مشتركة... ويختم أن هناك مروحة إحتمالات للتعاون ولتبادل الخبرات رائعة! 

(*) لمزيد من المعلومات عن المهرجان، النقر هنا.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024