مارك آليزار: فلتسقط الكاربو-فاشية

روجيه عوطة

الإثنين 2020/06/22
يستند الفيلسوف مارك آليزار في كتابه الجديد "الانقلاب المناخي" (2020، puf) الى مفهوم "الكاربو-فاشية" (carbo-fascisme) للمؤرخ جان-بابتيست فريسو، ليتناول موضوع المناخ عالمياً. ومطلع تناوله له هو تبديد خطبتين أو بالأحرى ثلاث خطب حوله.

الأولى هي خطبة اليمين حول كون العلاقة بين الرأسمالية والوضع الراهن للمناخ، وهو وضع لا نُحمد عليه البتة كسكان للمعمورة، هي علاقة ليست موجودة. أما، الثانية، فهي خطبة اليسار حول كون هذه العلاقة محورية، بحيث أن الرأسمالية، وبجشعها، أي نزوعها الى الربح أكثر فأكثر، وهو نزوع لا عقلانية فيه، تحمل الى الوضع الذي يستقر المناخ عليه في أيامنا. وبين الخطبتين، خطبة ثالثة، لا تنقطع عنهما، بل على العكس، ترتكز عليهما، لتعلن أن وضع المناخ إياه بمثابة "أزمة". كما لو أنها، بدايةً، تنم عن خطأ تقني، كما أن المسؤولية عنها لا تقع على أحد، وحتى إن وقعت، فعلى بعض الصناعيين، الذين سرعان ما يكفرون عن ذنبهم بدعم مشاريعنا الإيكولوجية.

يجد آليزار أن الخطب الثلاث هذه لا تصيب العلاقة بين الرأسمالية ووضع المناخ، مثلما أنها لا تصيب أيضاً في تقديم هذا الوضع. فبخصوص العلاقة، ليس الجشع قوامها، إنما الانتظام، بمعنى أن الرأسمالية تودي إلى تغير المناخ، مستفيدة من تغيره هذا، الذي يرسيه على تهديد عالمنا بكامله. فالمناخ، وفي وضعه الراهن، هو بمثابة نعمة للرأسمالية يقول آليزار، ولهذا، بالذات، هو ليس "أزمة"، بل إنه شبيه بجريمة كبيرة، ارتكبت عن سابق تصور وتصميم من قبل شركات كبرى، وتحت تغطية من السلطات السياسية لها، وهي، فعلياً، ليست تغطية، بل مساهمة. فمنفذو الإنقلاب المناخي، وحين شرعوا فيه منذ عقود، كانت تلك السلطات على علم بآثاره، لكنهم، استمروا فيه، وفي الوقت نفسه، حاولوا، وبحسب آليزار، ألا نعلم به سوى على نحو كونه "كارثة طبيعية"، لا بد أن نمضي جميعنا إلى تقاسم تبعاتها. وأقرب سبيل إلى تحقيق هذا التقاسم هو أن نعيد تربية ذواتنا من جديد على بعض المسالك التي تجعلنا "نحترم" المناخ، ونخفف من "كارثيته". في النتيجة، يصير وضع المناخ مجرد مشكلة فردية، ولأنها تجد حلها في المستوى الفردي، تنم عن المستوى نفسه.

يؤكد آليزار أن الإنقلاب المناخي سياسة نظامية بامتياز، وهو يشكل مجالاً للاستثمار من قبل منفذيه. فها هو فلاديمير بوتين، ينتظر الاحتباس الحراري لكي يؤمن لسفن الغاز ممراً، وها هي المياه تخصخص في أستراليا، وها هي البنوك تمضي إلى تركيز الإقراض والاستدانة... على أن الاستثمار في ذلك الانقلاب ليس اقتصادياً فحسب بالطبع، بل، وعطفاً عليه، يتعلق بالحكم، بآلياته. فـ"الكاربو-فاشية"، من ترامب إلى بولسينارو، تهدد ما يسميه آليزار "البحصة القديمة في حذاء الرأسمالية"، أي الديموقراطية، وهذا، من خلال الاستفادة من تداعيات الانقلاب المناخي، من تصويرها "أزمة"، لفرض حكمها.

في هذا السياق، يرى آليزار أن مواجهة الانقلاب عبر الاكتفاء بحض الكاربو-فاشيين على أن يعوا "الأزمة"، هو فعل باطل، لا سيما أنهم يعونها، وهذا، لأنهم، وببساطة، ينتجونها. كما أن الاكتفاء بما يمكن تسميته بـ"التمسلك" البيئوي لا يغني ولا يسمن، فالانقلاب المناخي تم، ومنفذوه لا يتوقفون عن مواصلته، لذلك، لا مناص من وضع حد له. كيف؟ عبر الادراك أولاً بأنه مشروع، وثانياً عبر مواجهته بمشروع مختلف، يكون الهم المناخي محوره. فالسؤال السياسي اليوم لا ينفصل عن السؤال الايكولوجي، مثلما كانت حاله منذ عقود، حين أجّله، أو تجنبه، على العكس، السؤالان يتصلان، ويشكلان محورين لبعضهما البعض. لهذا، يصعب وقف الانقلاب المناخي من دون التشبيك بينهما، وهذا بالانطلاق من كونهما أمام نظام رأسمالي، سمته الأساس أنه يدمر ويعمر، يعمر ويدمر.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024