محمد سويد... عن انتحار علي الهق

المدن - ثقافة

الأحد 2020/07/05

قد يأتي يومٌ يصبح فيه الانتحار ترفًا لا قدرة عليه للذين سدت الأبواب والسبل في وجوههم.

انتحار علي الهق كان نبيلًا في ترفعه عن الأسباب المُجملة التي تجعل حوادث الانتحار متشابهة في الضائقة الاقتصادية الراهنة. قبله بساعات، أقدم سامر حبلي على الانتحار شنقًا داخل شقته في بلدة جدرا، غير أن انتحار ابن الهرمل في بيروت، وفي شارع كان عنوانًا للازدهار والنشاط الاقتصادي وحركة الثقافة والموضة ومحاكاة العصر، جاء صادمًا في فعله، ليس لأن علي الهق كان يفكر في دلالات المكان، أو لأنه أراد أن "يخرج" سيناريو موته ويحوّل شارع الحمرا مسرحًا لفرجة هذا الموت، فهو اكتفى بما يتسع لجسده وبلوحتين مصورتين عن هويته وسجله العدلي وعلم بلده وكلمات قليلة كتبها بخط يده.

لم يفكّر في مكان موته. الأرجح أنه فكّر في مساحة تعبير سواء في كتابته أنه ليس كافرًا، أم في صياحه لبنان حرّ ومستقل قبيل الضغط على زناد مسدسه.

وهو يطلق الرصاصة الأولى، لم يفارق علي الهق وعيه، بل أردف، ومن غير اكتراث للمبالغة، أنه فارق الحياة ولم يفارق وعيه. وبعكس سامر حبلي الذي أقفل على نفسه ووضع حدًّا لحياته داخل غرفة، أبى علي الهق أن يقفل على نفسه وروحه معلنًا نهايته على الملأ وتركنا لها مثلما تركها لنا.

إنها التركة، بل الوديعة الوحيدة مما سُمح له أن يتصرّف به. إنها ملكه ولا يريد أن يصادرها الآخرون منه، ذلك أنها منه وفيه وإليه تعود.

في الإنكليزية يُستبدل الانتحار بعبارة تفقدها الترجمة الكثير من حساسيتها. مع هذا، أجد في ترجمتها العربية المباشرة والحرفيّة كل العبرة. فحين ينتحر شخصٌ، يُقال "He took his life". علي الهق أخذ حياته، وعلى حد القسوة الشفافة التي أخذ بها حياته، أحترم رغبته. وبمزيد من القسوة أيضًا، لا يعنيني أسف الآسفين في كل حدث مماثل. أما الشاهد المزيّن ببطاقة الهوية والسجل العدلي والعلم وآيات الكفر والجوع، فهو شاهد مثوانا الحالي لو كان الأسف من علمنا ودرايتنا.

(*) مدونة نشرها المخرج محمد سويد في صفحته الفايسبوكية
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024