زغلول الدامور... أيقونة اللقب والزجل

محمد حجيري

الأحد 2018/01/28
من يراقب تغطية وسائل الاعلام نبأ رحيل الشاعر زغلول الدامور(93)، يلاحظ ان اسمه كان "ايقونة" في عالم الزجل، وهو رغم الاطلالات القليلة في السنوات الأخيرة، ظل اسمه محفوراً في ذاكرتنا حتى وان كنا لا نحب الزجل، ولكن اذا ما اردنا أن نقرأ شيئاً عن مسيرته وحتى عن مسيرة أقرانه، لا نجد في جعبتنا الكثير، نطالع مقالات لرشيد نخلة ومارون عبود عن تاريخ الزجل وأصله وفصله، لكن مقاربة تجربة زغلول الدامور ولغته وناسه تبدو ضحلة في الدراسات والمقالات، وحتى في المقابلات الصحافية نجد أن التركيز على "سبب لقبه"، و"كيف بدأ"، وهل تذكر الحفلة الفلانية؟ اسئلة مكررة ومستنفدة ومألوفة ومحكومة بالرتابة، كأن الزجل وجد ليبقى نوعاً من الشعر الشفهي والمنبري فحسب، ولا ضرورة لتفكيك بنيانه.

يلخص زغلول الدامور تجربته بأنه نشأ على موهبة الزجل في الثامنة أو التاسعة، كان تلميذاً في مدرسة جديدة المتن، ينتظر فرصة الساعة العاشرة لكي يخرج إلى الملعب، حيث كان يجلس تحت شجرة وارفة حاملاً ورقة وقلماً ويكتب الشعر، وكانت هذه من متع طفولته الأساسية. وزغلول الدامور في الأصل من منطقة الدامور، ولكنه ولد في البوشرية وحين بدأ بقول الزجل صاروا يقولون هذا الصبي مزغلل، يعني زغير، وترسّخ لقب "زغلول الدامور" وحلّ محل الاسم الأصلي.. ما عاد أحد يناديه جوزيف (الهاشم) حتى أهله وأولاده وجمهور ينادونه "زغلول" (اللافت ان معظم تسميات جوقات الزجل تنسب إلى طيور مغردة (كنار، زغلول، شحرور، بلبل، كروان)، وثانيا ينسب إلى منطقته، (شحرور الوادي وزغلول الدامور وهناك القاب كثيرة في هذا المجال).

وزغلول الدامور الذي نشأ في زمن كان الزجل شائعاً وله جمهوره العريض وعشاقه، لم يخف أنه صاحب موهبة في النظم وصُقلت موهبته من خلال دعم الانسباء وتشجيعهم، فجدته لوالده، كانت شاعرة (أمية) اسمها نمنم سميا الهاشم، وحين بدأ زغلول الدامور بالكتابة كانت هي أستاذته وشجّعته على النظم. كانت وعلى الرغم من أميتها، اي لا تجيد القراءة، لكنها تجيد النظم والغناء، وتميّز بين البحور والأوزان.. وهي التي شهدت لحظة ولادته كزجّال. كان ذلك عام 1936 خلال عطلة الصيف التي اعتادت الأسرة قضاءها في بلدة ضهر المغارة (الشوف - جبل لبنان). يومها، اصطحبت الزغلول معها في زيارة لبلدة الدبية المجاورة. هناك، علما مصادفةً بالأمسية الزجلية التي سيحييها الشاعران رشيد ضاهر ورامز البستاني. ألحّ على جدته ليبقيا. خلال الأمسية، عجزت "ردّية" رامز البستاني عن التصدي لرشيد ضاهر. يقول زغلول الدامور "انسحبت من بين الحــضور وقلت لرامز البستاني أنني مستعد للغناء بدلا منهم فأعطاني الدربكة وجلست بين الرديدة وغنيت ردة تقول:
"رامز أمير الشعر نحنا منعرفو
ويا رشيد تا تصير زكي بدك رشيد"
فانزعج رشيد ضاهر من تهجمي عليه فقد كان شاعرا كبيرا وكنت وقتذاك في الحادية عشرة فرد قائلا:
"اللي بيمشي حد العمشق
كيف ما مال بيتعمشق
سآل الأرنب عن حالو
بيقلك شب مدمشق"
فأجبته بردة ظن أن رامز هو من لقنني إياها:
"الشعار باسمي تغنو
وبروعة شعري تكنو
وأرنب اللي بفكرك منو
من شجرة عمرك مرشق"
وكانت جدتي تقول لي: "سكوت ولا" وتدعوني إلى العودة إلى مكاني بجانبها لكنني لم أتوقف إلى ان انتهت الحفلة فطلب مني رامز البستاني مرافقته في عدد من الحفلات فبقيت ثلاثة أيام معه في الدبية وقال لي: "إذا بتكفي هيك رح بتصير شاعر مهم".. لقد شجعني كثيرا ووقف بجانبي وحين بلغت الثامنة عشرة وأصبحت شاعرا معروفا صرت أدعوه إلى حفلاتي فيلبي الدعوة وحين ذهبت إلى الكويت إستقبلني بحفاوة وفي تلك الفترة كنت قد تفرغت كليا للزجل".

علّم زغلول الدامور لثلاث سنوات في مدرسة البوشرية وصار الناس يدعونه لإحياء الحفلات والأعراس والمآتم... وفي العام 1944 ألّف جوقة "زغلول الدامور" وترك التعليم وانصرف كلياً للزجل، ومرّ على الفرقة عشرات الشعراء، كانت لها مشاركات بارزة في المباريات المنبرية، إذ خاضت مباراة المشرف أيلول 1970 التي سجلت أكبر حضور حاشد لمستمعي الزجل ومن ثم مباراة القلعة – بيت مري تموز1971، وبعدها مهرجانات المدينة الرياضية حزيران 1972، والكثير الكثير كما شاركت في مهرجانين من مهرجانات جرش. ومع الحرب الاهلية (1975 - 1990) تبدلت أحوال الزجل.

يروي الشاعر أسعد سعيد في كتابه "الزجل في أصله وفصله" (الدار الجامعية) ان "الزجل اللبناني ابن الضيعة وبدأ من مناسبات الضيعة، قبل الاحتراف تعرف الى بيروت في بيروت الوجهاء، وليس من المستبعد أن يكون أصحاب هذه البيوت من ضيعٍ تعرف هذا اللون الزجلي، في الأربعينات دخل الزجل الى الإذاعة، وفي الستينات كان له الصدارة في برامج التلفزيون(...) وقد واجهت الشعراء مشكلة، لأن جمهور التلفزيون غير جمهور الحفلات، لأن في الحفل يأتي الناس ليحضروا الشاعر، بينما في التلفزيون يذهب الشاعر الى بيوت الناس".

وتأثر الزجل بالتحولات الاعلامية، والجيل الجديد من الزجالين "خسعين" بحسب زغلول الدامور، ولم يعد للزجل نجومه كما في زمن شحرور الوادي وخليل روكز وزغلول الدامور وزين شعيب...

  زغلول الدامور كان مجدداً في الزجل حقّق نقلة نوعية وغيّر مع زين شعيب إيقاع المنبر، إذ كان بيت الشعر الزجليّ يُغنّى في سطرين، ليصبح معهما في أربعة أسطر. معاً، نظّم هذان الشاعران كيفية الغناء من الافتتاحيّة التي يستلمها رئيس الجوقة وحتى الختام. يقول زغلول الدامور "كنا أفضل ثنائي، من دون زين كأنه قص جانح من جانحي". يضيف في حوار مع جريدة "المستقبل": "لغوياً كان الزجل لا يزال فصيحاً نوعاً ما وكنت تجد كلمات مثل ماذا ولماذا وحتى وما إلى ذلك.. لكن صرنا نقول الزجل شعبياً مئة بالمئة.. هكذا حصل فرق كبير عند الشعب وصار يقبل أكثر على الزجل، خاصة وأن الشعب نفسه تغيّر وصار يريد التغيير"، وفي موضوع الكحول يقول "التجلّي لا يكون في الشرب.. من يشرب يكن تعيساً لأن الكحول تقتل الموهبة".. وهو يثني على أهمية الصوت في ترديد الزجل حتى إن الروائي حسن داوود في كتابه "فيزيك" يقول "وكان صوت زغلول الدامور جميلا إلى درجة أنهم يتساءلون دائماً، وهم على البلكون، لماذا لا يغني أغنيات فيصير واحداً من المطربين".

صدر لزغلول الدامور "خمسون سنة مع الشعر الزجلي" (1995)، و"عمر وسفر" (2005)، و"بين القلوب" (1948) و"المرج الأخضر" (1952) مع صديقه وزميله زين شعيب. وواكب الزغلول الحركة الزجلية منذ عام 1958، تاريخ تأسيسه وزميله زين شعيب المجلة الزجلية "المسرح"، ولم تتوقّف عن الصدور إلا في منتصف الثمانينيات. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024