موضة حسن حجاج.. تبشّر بالماضي!

روجيه عوطة

الإثنين 2019/10/07
يعطي "البيت الأوروبي للفوتوغرافيا" في باريس "بطاقة بيضاء" لحسن حجاج (حتى 11 نوفمبر) لكي يقدم أعماله في كل أرجائه، وبهذا، يغدو محل من محلات الثياب، التي دأبت على الإستعانة بالفنان المغربي، وبتجهيزاته، من أجل عرض بضاعتها، لا سيما أنه كان قد فتح متجراً مماثلاً لها في المملكة المتحدة. هذه البضاعة تحضر في تصويراته، وهي تبدو، في الكثير من الأحيان، أنها تتألف على منوال واحد: محاكاة البوب-آرت، لا سيما مطلعه الـ"وارهولي" (نسبة لآندي وارهول)، في التقاط بعض عناصر التراث الشعبي، التي تتعلق بالأزياء، وترهينها لتصير "على الموضة" الإرتدائية.

طبعاً، ترهينها، في هذا السياق، لا يعني تقديمها في الراهن، بل جعلها من هذا الراهن، وبالتالي، استقرارها على قاعدته، وعلامته، أي، وباختصار شديد، على الإستهلاك والماركة. فالترهين، هنا، يرادف الترويج.

لذا، يصير التفرج على تصويرات حجاج، تفرجاً على الوسيط، وقد صار وسيلة لعملية الترهين، أو بالأحرى محملها، بحيث، وفي إطاره، ينتقل الزي التراثي المغربي، أكان الحجاب أو السروال، إلى رواجه. هذا الإنتقال، وحين يعتمد الفنان محاكاة البوب-آرت في إنجازه، يستند إلى تصميمه، مثلما يستند إلى تلوينه. من ناحية تصميمه، يحيل إلى التراكم السلعي، الذي لطالما تناولته مدونة البوب، والذي لطالما أشارت إليه معلبات وارهول، واضعاً إياها فوق بعضها البعض، أو عازلاً إياها عن بعضها البعض. أما، من ناحية تلوينه، فيحيل إلى "الإفقاع السلعي"، أي المغالاة في جمع الألوان الفاقعة، التي تتداخل على أساس هندسي، مولدة بريقها. في النتيجة، التصميم والتلوين يكفلان انتقال الزي التراثي إلى الموضة، بحيث يجعلانه شبيه ببضاعة، كثر عرضها، وكثر طلبها.

على عكس حديث شائع عنها، لا يمكن القول عن تصويرات حجاج أنها ترفض ذلك الإنتقال، أي انتقال الزي من التراث إلى الموضة، فعدا عن كونها محمله، فهي تقرظه، وقد يكون التصميم والتلوين فيها إشارة إلى هذا أيضاً. ولكن، تقريظها للإنتقال هو، وبعينه، رفض له، يؤدي إلى إرجاع للزي عنه، وإعادته إلى التراث ثم التمسك بهما. فكل زي يمثل في تصويرته، كتراثي، إذ إنها تحافظ على صفته هذه، وتسلمه للموضة بالإنطلاق منها، وهذه الموضة، وحين تستلمه، تحرس صفته هذه أيضاً.

وبهذا، لا يكون الزي على الموضة إلا لأنه تراثي، ما يعني أن تراثيته، وبانتقالها إلى الموضة، لا تتحول، بل تتبلور فيها، كما أن الموضة، وبإذاعتها له، تبشر بالماضي. في هذه الجهة، متاح القول، وعلى نحو سوسيولوجيا الموضة، أو سيميولوجيتها، أن كل موضة هي موضة من الماضي، وكل لحاق بها هو تقهقر إلى الماضي، وبعبارة مقتضبة: الموضة هي، وعلى الدوام، "موضية". في كل الأحوال، الراهن هو هكذا، هو حاضر معتقل يحض على الذهاب إلى السابق عليه من أجل تحريره، وتحريره هذا سرعان ما يتطابق مع التحرر منه.

ولا يمكن لتصويرات حجاج أن تتمم انتقال الزي من التراث إلى الموضة، مقرظة إياه بالتصميم والتلوين، من دون أن تزيد عليهما ما يمكن تسميته بـ"التخطيب"، أي تحميلها خطابا ما، وهو، هنا، الـ"بوست-كولونيالي"، والمبتذل منه على وجه الدقة. ولكن، فعلياً، هذا التخطيب، وككل تخطيب، ليس سوى دعاية، وهو يبدي خطابه من الموضة إياها، ويجعل ممارسته كناية عن عرضٍ لـ"الشرق على الغرب" ليكونا مجرد "هويتين" معروضتين على بعضهما بعضاً، وفي بعضهما البعض، وهذا، بالطبع، بعد تنميطهما بالكامل، فيصيران، وككل تصويرة، إعلاناً.

ربما، لا مبالغة في الاعتقاد أن كل ما في التصويرات، بتصميمه وتلوينه وتخطيبه، يرمي إلى أن يغدو ماركة "كوكاكولا"، التي لا يتوقف الفنان عن استعمالها، وطرحها، لتكون العلامة المثالية للتراث وموضته. بعد ذلك، الحق مع مارك لينو حين يقول عن معرض حسن حجاج إنه "كارثة"!
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024