محمد العباس: الراوي كمُخبِر محلي(*)

المدن - ثقافة

الثلاثاء 2019/02/12
(*) كمال داوود، وعتيق رحيمي وحتى آذار نفيسي، هم أبناء مستعمرات أدبية بتصوري، تأثر إنتاجهم الأدبي بالثقافة المهيمنة التي ولدوا في ظلالها. ويحق لهم أن يستخدموا الثقافة ذاتها لمناقدة واقعهم... وإن كان حميد دباشي، المناضل من أجل ثقافة عالمثالثية أصيلة، قد وضع آذار نفيسي تحت مظلة ومصطلح المُخبِر المحلي native informer أي ذلك المثقف المتهم بخيانة مجتمعه ودينه وثقافته، والذي يزود الآخر الغربي بتفاصيل البؤس والخراب في أمته، ليدغدغ إحساس الغربي بالتفوق الحضاري. وذلك عبر منتجات أدبية تبدو في ظاهرها نقديات لترميم الذات والهوية، فيما يخفي نسقها المضمر رغبات ومطامح من أجل الجوائز والشهرة.

وعلى هذا الأساس اتسعت حظيرة الموصومين بشُبهة المخبر المحلي، حيث أُعيدت قراءة سلمان رشدي وتسليمة نسرين والطاهر بن جلون تحت هذا العنوان، كما صُنفت روايات بوعلام صلصال ضمن هذا الإطار، إلى جانب خالد حسيني. وعليه يمكن التساؤل عن طبيعة انبهار هاروكي موراكامي بأصالة الثقافة الغربية، مثله مثل إليف شافاق، إذ يمكن التعامل مع ذلك التماس الثقافي كحالة من المثاقفة الطبيعية لأي أديب يعيش حالات الإعجاب والتأثر والتحاور مع ثقافة الآخر. كما ينطرح السؤال أيضًا عن سر غياب المخبر المحلي بمعناه الحاد في الأدب المصري بكل تاريخه وأسمائه، وإن كان علاء الأسواني يتنزه على هذه الحافة من دون أن يتورط كليًا في مشتبهاته.

أسئلة كثيرة تحتاج إلى سجال متجرد من الاتهامات العاطفية، يتجاوز الأدبي إلى المعرفي، لأن الرواية هي التاريخ الفكري والوجداني لأي مجتمع وأي عبث بها يعني تبييت النية للمس بجوهر البنية الحضارية للأمة.

(*) مدونة كتبها الناقد السعودي محمد العباس في صفحته الفايسبوكية.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024