آليتشي رورواتشر لـ"المدن": دع الفيلم يتنفَّس

محمد صبحي

الأحد 2019/02/10

في فيلمها الأول "جسد سماوي" (2011)، تختم المخرجة الإيطالية آليتشي رورواتشر* بمشهد يسأل فيه أحد الصبية الغرباء، بطلة الفيلم: "هل تودين رؤية أعجوبة؟"، ويقدّم لها ذيل سحلية مقطوع تتناوله بين راحتيها ويظلّ يتلوّى على يديها حياً، في إشارة إلى بدء مسار جديد في حياتها الرتيبة والمتخمة بالنفاق الديني ممن حولها. تلك "الأعجوبة" ستعود لتظهر في الفيلم التالي،"العجائب"، ولكن على هيئة بشرية، حين تقوم البطلة، جيلسومينا، باخراج نحلات من فمها وسط دهشة من حولها. عجائب أخرى ستأتي بها عدسة هيلين لوفار في فيلم رورواتشر الثالث "لازارو السعيد"، حين يموت البطل ثم يصحو من الموت، ليهاجر إلى المدينة بعد رحيل كل من عرفهم في حياته السابقة إلى هناك. ومثلما يختتم "العجائب" حكايته بلقطة حزينة، نشاهد فيها منزل العائلة الريفي مهجوراً من سكانه وحيواتهم وأحلامهم، يموت لازارو، مرة أخرى- وأخيرة ربما- بعدما فشل مَن حوله في احتمال رقّته. كأن رورواتشر تعيد التأكيد بأن السحر لن يجد له مكاناً دائماً في هذا العالم.

"لازارو السعيد" - ثالث وأفضل أفلام رورواتشر حتى الآن – هو حكاية فتى ملائكي، أحمق مقدس، ينتقل من الريف إلى المدينة، ومن زمان قديم إلى الحاضر، شاهداً على إدامة التهميش والفساد الأخلاقي واستغلال المحتاجين من قبل قوى تختلف أسماؤها ولا تختلف سياساتها. القطع الهيكلي للفيلم، والذي يأتي عبر وثبة زمنية مدهشة تذكّرنا بتلك اللقطات الختامية في فيلم رورواتشر السابق، "العجائب"، فضلاً عن مناسبته لأجواء الحكاية وتضميناتها العجائبية؛ يغذّي الروح الثورية لفيلم يسأل سؤالًا بسيطاً وملحّاً: كيف ولماذا توقفنا عن احتضان وتقدير الطيبة والخير والجمال؟


بإنكليزية بسيطة وابتسامة مريحة وصوت هادئ حيوي، أجابت رورواتشر أسئلة "المدن" حول فيلمها، إنسانية الدين، الزينوفوبيا، هجرات الريف، والاستشفاءات المعجزة.

 

- كما هو الحال في أفلامك السابقة، تبدو التأثيرات الدينية واضحة للغاية في "لازارو".

* وهذا رغم أنني لم أذهب إلى الكنيسة أبداً. ولا مرة. ربما يوما ما سيبنون لي هناك نصباً تذكارياً.


- السؤال هو: لماذا لا يزال ذلك مهماً بالنسبة لك. ما هي علاقتك الشخصية بالدين والمعتقد؟

*لم آتِ من عائلة دينية. لم أُعمَّد أبداً، وكما قلت، لم أضع قدماً في الكنيسة عندما كنت طفلة. في الأثناء، تغير هذا، ولكن لأسباب فنية فقط. عندما كنا نحضّر لفيلم "جسد سماوي"، اضطررت إلى الذهاب إلى الكنيسة لنرى كيف يُدرَّس الدين اليوم. وكان عليّ حضور الدروس الدينية المسيحية. ولكن بشكل شخصي، ولا حتى عشرة خيول باستطاعتها إدخالي إلى كنيسة اليوم. مع ذلك، فقد جئتُ من دولة كاثوليكية ولديها علاقة وثيقة بالدين، تقوم على إيمان ما قبل مسيحي، إذا جاز التعبير، وليس عقيدة دوغمائية. ديني هو الإيمان بالإنسانية.

-لازارو أيضاً شخصية من الكتاب المقدس، حيث هناك لعازر المرفوع من بين الأموات، وأيضاً لعازر الفقير. بالنسبة لك، تبدو قصته أشبه بأسطورة شعبية غير متدينة.

* لازارو خاصتي هو لازارو من ما قبل الكتاب المقدس. لم أرد الإشارة إلى قصص توراتية أو شعبية، هذه مجرد مصادفة. اسمه لازارو، ويحدث له أنه يعيش مرة أخرى. إنه فيلم ديني، لكنه ليس فيلماً كاثوليكياً. هو يدور بالأحرى في زمن غير محدد، عصور ما قبل التاريخ، قبل الكاثوليكية. هناك نوع آخر من التدين في الفيلم يجرى إثباته سلباً، تستخدمه الماركيزة لإبقاء الفلاحين في جهالتهم وتحت رحمتها. بهذا الشكل، هناك دين إنساني، نقي، وهو الذي يشعر به لازارو، ودين آخر تستخدمه الماركيزة للظلم والاضطهاد.

-كيف كان من الصعب العثور على لازارو المناسب؟

بصراحة، كان التحدي الأكبر هو العثور على الذئب المناسب. بحثنا كثيراً وفي كل مكان حتى وجدنا أخيرا ما أردناه في فرنسا.

ولازارو؟

لم يكن من الممكن حتى تخيل ما يجب أن يكون عليه لازارو، أو السمات التي يجب أن يتمتع بها. أعترف، على سبيل المثال، أنني في البداية لم أفترض أنه سيكون جميلاً مثل أدريانو (تارديولي). على الورق، من المفترض أنه يبث حوله قدراً من الضوء. لكن كيف تشرح ذلك؟ لا يمكنك القول للناس إنك تبحث عن "أشخاص مشرقين". وهكذا، سرعان ما أصبح واضحاً أمامنا أننا لن نغادر مكاننا، لأنه بطبيعة الحال لن يظهر لازارو الذي نريده في اختبار أداء تمثيلي. بالتالي، لم يكن لدينا خيار سوى البحث بأنفسنا، ليس في الشوارع، ولكن في المدارس. تجوَّلنا في عدد لا يحصى من الفصول الدراسية حتى اكتشف كيارا بوليتسي، المسؤول عن الكاستينغ، أدريانو، في نهاية المطاف.

لكن المشكلة كانت في رفض أدريانو لعرضنا عليه التمثيل في الفيلم. رفض في بادئ الأمر، وقال إنه لا يعرف ما إذا كان بإمكانه تولي الدور، لأنه ليس لديه أي فكرة عما أردناه، ناهيك عن نوع العمل الذي سيقبله. في تلك اللحظة، غمرني خوف رهيب، لإدراكي حينها أنه سيكون عليّ إثبات نفسي له. لقد أدخلني في التجربة (تضحك). في الحقيقة، لقد مررنا بالفيلم، من بدايته إلى نهايته، معاً. عملنا معه على الدور، طيلة شهر كامل، على أمل قبوله في النهاية. والحمد لله، فقد فعل. لكن عليّ القول: هو اختارني، وليس العكس. كان وقتاً عصيباً ودرساً مهماً للغاية بالنسبة لي.

-إلى أي مدى؟

اليوم، وظيفتنا مبالغ في تبسيطها للغاية. الرأي الشائع هو أن المخرج يحصل دائماً على ما يريده أو مَن يريده، لاعتقاد ما بأن أي شخص يُعرض عليه لعب دور في فيلم، سيميل إلى قبوله تلقائياً. وتجربتي مع أدريانو أظهرت لي أننا (كمخرجين) لا نملك القوة والسيطرة التي كثيراً ما تُلصق بنا. كان هذا بمثابة تحقق من الواقع (reality check)، وضعني، في النهاية، في المكان المناسب لتصوير الفيلم.

تصنعين أفلاماً روائية، ومع ذلك، دائماً ما تتمتع صورك بحسّ وثائقي لافت.

* كان حلمي دائماً أن أصنع أفلاماً وثائقية، لكنني لا أجرؤ على ذلك. أشتبك كثيرا مع نفسي. لم أتمكن أبداً من تصوير الناس في حياتهم الحقيقية، وإذا جاز التعبير، صَلْبهم. من ناحية أخرى، تبدو لي فكرة منح شخص ما الفرصة الرائعة لإخفاء حياته الخاصة وراء شخصية خيالية، بديلاً ساحراً. على سبيل المثال، أغلب أبطال "لازارو" هم فلاحون حقيقيون، لكنهم بالطبع لم يعودوا يعيشون اليوم في عائلة كبيرة معزولين عن العالم، كما ترى في الفيلم. أي أنهم يلعبون دورًا لا يتوافق بالضرورة مع وضع حياتهم المباشر. ومع ذلك، لم أكن لأجرؤ على سرقة ولو حتى تسجيل بسيط لحياتهم. ما أعنيه بذلك هو أننا طلبنا دوماً الحصول على إذن لاستخدام المواد المصوَّرة. بالإضافة إلى ذلك، تدرّبنا على كل لقطة كثيراً وتم الإعداد لأدق التفاصيل، على الرغم من أن ذلك جعل الفيلم، في النهاية، يبدو أكثر ارتجالاً (تضحك). لكن في الواقع، كل هذا له علاقة بي كإنسانة أكثر من ارتباطه بوظيفتي كمخرجة أو كسينمائية. إذا تعاملت مع ممثليك/شخصياتك كموضوعات مجردة للتلصص أو الاستخلاص، فهذا يبدو لي أنانياً للغاية، وغير إنساني كذلك.


- لا تزالين مخلصة لتصوير أفلامك بكاميرا الـ16 مم. ألم يغرك، مثل الكثير من زملائك، التحوّل إلى الديجيتال؟

* أنا روح مخلصة جداً جداً، وما لم يحبطني شيء/أحد، بقيتُ معه. هذا ينطبق أيضاً على أدوات ومواد الفيلم. شريط الفيلم لم يخذلني أبداً، لذا لا أرى أي سبب يجعلني فجأة أتحول إلى الديجيتال. أعتقد أن التصوير بفيلم 16 مم، أمر رائع. إنه نهج قوي، حقيقي، وموثوق، بشكل لا يُصدّق. يمكنني العمل معه بشكل رائع. علاوة على ذلك، هو مفيد جداً وملموس، وأنا أحب ذلك كثيراً. على سبيل المثال، حقيقة أنه في مساء كل يوم، يكون لديك "يوميات مصورة" يمكنك رؤيتها مرة أخرى. أحتاج إلى هذه الطريقة الحيوية في صناعة الأفلام. وأنا أؤمن بقوة الصور، لأن بداخلها يمكنك العثور على الكثير من الأشياء التي قد تخسرها في حياتك اليومية. تجمع الصورة بين أشياء كثيرة وتعطي الأشياء شكلاً مختلفاً، مظهراً مختلفاً، لا يمكنك التأثير عليه من الخارج. ولكن هناك شيئاً آخر يفتنني بخصوص صور الـ16 مم، هو أصالتها وعدم إمكانية التنبؤ بها. لديها، إذا أردت، رأسها الخاص في عملية صنع الفيلم. ويجب أن تكون قادرة على التنفس.

باختصار، يعتمد الأمر على ثلاثة أشياء: الممثلون والممثلات، نحن، صانعو الأفلام، والأدوات والمواد. يُخلق الفيلم أثناء عملية التصوير. ولا أستطيع أن أتخيل نفسي، ذات يوم، جالسة في ستديو صغير مقابل شاشة خضراء أعبث بإدراك متأخر مع بعض العوالم الخيالية. هذه ليست طريقتي في عمل الفيلم، ببساطة. بالنسبة إليّ، من المهم للغاية الحفاظ على علاقتي بمادة وأداة الفيلم، عاطفتي تجاهها، وأخيراً فهمي للفيلم. وهذا لن يتغير بسرعة.


- بشكل شخصي، أحبُّ أفلامك وطريقة تصويرها، لكن هناك من سيعتبر ذلك خيارا جمالياً متكلفاً.

*لطالما صوّرت على الأفلام، أحب هذه الصورة الحيوية. لكنها ليست "معتّقة"، وليست قراراً جمالياً بحتاً، بل طريقة وأسلوب. يقال دائماً ان التصوير على شريط فيلمي أكثر تكلفة. هذا ليس صحيحاً. إنها تعتمد على طريقة تنفيذك. أحب العمل مع شيء لا أستطيع سيادته. الفيلم أكبر مني، أنا متعلقة بمواد لها هويتها الخاصة. الفيلم هو رد فعل يتبع فكرتك وانطباعك عن الصورة، هو ما تفعله لحظتها. هناك دائما سرٌّ في هذه العلاقة. ليس كما في علاقة هوسية: صورة للنظر إليها على الفور، وصورة أخرى وشيء آخر، وهكذا! هنا، يتحرك الوقت بين إنتاج الصورة ولحظة التأمل.

قررنا أيضاً التصوير من دون قناع كاميرا. مرة أخرى، يمكن للمرء أن يفترض في ذلك تصنّعاً جمالياً. لكنه كان قراراً طبيعياً ومسبباً. عندما اختبرنا اللقطات مع أدريانو، كان من المستحيل استخدام قناع بصري. كان الأمر كما لو كنا زيّفنا وضع الإطار على وجهه، وهو وجه بسيط ومفتوح. بالأحرى، مُنعنا من وضع قناع! والنتيجة؟ المشاهد خرجت كما هي في الكاميرا، دون تأثيرات خاصة. هي الصور كما اختبرناها في لحظتها.

جنباً إلى جنب شقيقتك الكبرى، ألبا، تظهران التزاماً بالسينما. من أين تأتي هذه الرغبة؟

*منذ فيلم "العجائب"، يعرف الجميع أننا قدمنا من الريف. لم نكبر مع الأفلام. لكن الحاجة لجلب الهندسة المعمارية، والصورة، والموسيقى، والإنسانية معاً؛ قادتنا حتماً إلى الفيلم. في طريقي، انبثق الفيلم لأنني لم أكن أعرف كيف أضع كل ذلك معاً. السينما ليس مجرد عمل أو مهنة بالنسبة اليّ، إنها حياة. إنها تغزو معظم الحياة وتفسّرها في نفس الوقت.

-فيلمك مليء بالمراجع الأسطورية، اختياراتك لأسماء الشخصيات لافتة، تعيدني إلى فيلمك السابق، "العجائب". ما الذي يعنيه ذلك؟

*أنا قادمة من أرض متأثرة بشدة بالأساطير والخرافات، وهذا جزء من هويتنا، أو على الأقل هويتي. نحن الإيطاليين نعيش في مزيج من الواقع والأساطير، وعادة ما تكون الحدود مائعة. معنا، تصبح الحقائق الصغيرة في كثير من الأحيان أساطير، وتتحول أكبر المغامرات إلى حكايات خرافية.

كذلك بالنسبة لأسماء الشخصيات، فأنا أعلّق أهمية على وجود علاقة معينة معي، مع شخصيتي. غالباً ما يكون ذلك بمثابة مراجع أدبية ذاتية، مثل جيلسومينا في "العجائب" أو لازارو هنا. الأسماء حظوظ. لكنها تشير أيضاً إلى العالم الذي نشأت فيه. فهي تعكس خلفية معينة دون أن تحمّلها أكثر مما ينبغي، وهذا أمر مهم للغاية بالنسبة إلي. في الأساس، الأمر مثلما تنجب طفلاً، وتقرر اختيار إسم له. هكذا تفعلها. لا أحد سيأتي بفكرة إعطاء إبنه إسماً لا يعجبه. وبالنسبة إلي، هناك دائما أسطورة وواقع على المحك. إنها ميزة التعريف الخاصة بي، وببلدي.

القرية التي يعرضها الفيلم في نصفه الأول اسمها "إنفيولاتا"، بدلالاته حول العذرية وعدم المساس بها. إنها أرض بكر، رائعة، ولكنها تخفي فقراً واستغلالاً. هل هناك نموذج سابق لهذا العالم المليء بالتناقضات؟

* نعم، هناك أمثلة تاريخية لمثل هذه المجتمعات. ملاك الأراضي الذين يستفيدون من امتيازاتهم للإبقاء على الفقراء في جهالتهم. حدث ذلك آلاف المرات في التاريخ، وفي جميع أنحاء العالم. لكن فيلمي مبني على قصة حقيقية. في عام 1994 كانت هناك فضيحة في أومبريا (مقاطعة في وسط إيطاليا - المحرر)، انتشرت صحافياً كقصة خبرية صغيرة مضحكة. لم تخبر "الماركيزة" عمال مزارعها بأن نظام "المزارعة"** انتهى! استمر النظام مئات السنين. لكن مالكة الأراضي لم تخبر مزارعيها بأن الأمر انتهى عام 1982. لم أكن مهتمة كثيراً بالحكاية لذاتها، فلا تزال تحدث اليوم، ولكن في ما هو أبعد منها بكثير. ملايين الناس يتجاهلون عمداً وجود أوليغارشية صغيرة في قلب أوروبا.


- في النصف الثاني من الفيلم، بعد القفز إلى الزمن المعاصر، نتعرّف على مستوطنة خيام حضرية على هامش المجتمع المديني. في النصف الأول، من ناحية أخرى، نرى عالماً ضائعاً في ماضيه الذي لن يعود. على الرغم من الفقر، هناك ذلك الشعور المثالي، ربما نوستالجيا. وهذا يخلق توتراً مذهلاً بين سحر المجتمع والثورة ضد القمع.

*نعم، الماضي غامض، وليس بالضرورة جميلاً. كانت هناك أيضاً أشياء جيدة، وهذه طبيعة الأشياء عموماً. عادة ما يتحدث المرء عن الماضي كـ"وهم عظيم"، مخادع ووغد كبير. أعتقد أن هناك طريقة مُلطّفة يتعامل بها الناس مع الماضي في ميزان حياتهم: جميع الأدوار توزَّع بوضوح بأثر رجعي. هذا الوضوح يجعلنا نحنّ إلى الماضي، لأنه لم يعد من السهل الآن فهم الأدوار. فوق كل ذلك، كانت هناك روابط تمتد لقرون بين الناس والأماكن.

مع موت لازارو الأول، يبدأ تحرير الفلاحين. لكن الانعتاق من عبودية الماركيزة والانتقال إلى المدينة لا يؤدي في النهاية إلا إلى وضع أسوأ. هل هذه رؤية متشائمة للعالم؟

 *نحن نتحدث دائماً عن لحظة الانتقال، الضوء الذي ينير طريق الناس. هذا عندما يعبرون النهر. آه، لكن إلى أين هم ذاهبون؟ يأتون من ماضٍ مفقود ويذهبون إلى مستقبل مجهول. دائماً ما يقول السياسيون والمؤسسات والتلفزيون أن الجميع يهتم بالمهاجرين. لكني أردت أن أقول، ما يحدث قبل وبعد: أن تبقى أنت وحدك، وأن الأخير يبقى دائماً الأخير، لن يتقدّم أبداً. هذه هي مصيبة الإنسانية، وبالتالي يمكنك اعتبار الفيلم على تضاد مع الكتاب المقدس، دون أن يتحول إلى أرض وعود. الجزء الثاني من الفيلم يقولها بوضوح: شيء ما من الماضي، براءة، يصل إلى حاضرنا. لكنه موجود فقط، بدون قوة خارقة تدعمه. عالمنا الحديث يردّ بطريقة دراماتيكية.


- المجتمع في المدينة يشبه مجتمعاً متنقلاً أو مستوطنة على هامش المجتمع. اليوم، هناك بعض العناوين تتصدّر الصحف الإيطالية، ووزير الداخلية سالفيني يريد ترحيل المهاجرين، حتى إن كانوا إيطاليين. هل فكرت بذلك في فيلمك؟

* أنا أتحدث عن هجرة تذكّرني بالكثير مما نشاهده على التلفزيون اليوم. في "لازارو" ينتقل شخص من عالم خفي محمي (الريف)، إلى عالم خارجي مفتوح (المدينة). كان من المهم بالنسبة إليّ رواية قصة أن "الآخر" لا يزال إيطالياً. نحن نعيش في زمن من السهل أن تسمع من يقول "آه، انظر إنهم يأتون من بعيد". لكن، القصة نفسها تحدث في بلدي. في هذه الحالة، لا يوجد "مكان آخر". الناس الذين يعيشون في الشارع لا يأتون دائماً من الخارج. في كثير من الأحيان، لا توجد اختلافات كثيرة بين المزارعين الإيطاليين الفقراء الذين يأتون إلى المدن والمهاجرين. مزارعو "إنفيولاتا" هم مهاجرون في الزمن، ينتقلون من الزمن الإقطاعي إلى العصر الحديث.الامر نفسه ينطبق على الأشخاص الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط، أو أولئك الذين يأتون من قرى في الجبال. نحتاج خطاباً سياسياً، حسن النوايا، يشكّل في وعينا فهماً يجمع بين "الآخر" و"نحن".


(*) آليتشي رورواتشر (1981 - فلورنسا، إيطاليا) ولدت في ريف فلورنسا لأب إيطالي يعمل مدرساً وأم ألمانية تعمل في تربية النحل. حصلت على شهادة جامعية في الأدب الكلاسيكي من جامعة تورينو، وكتبت للمسرح وعملت كموسيقية قبل دخولها مجال صناعة الأفلام، كمونتيرة أفلام وثائقية في البداية. عُرض فيلمها الروائي الأول "جسد سماوي" في تظاهرة "نصف شهر المخرجين" في مهرجان كان السينمائي عام 2011، وكذلك في مهرجانات صندانس ونيويورك ولندن وريو وطوكيو، وعُرض تجارياً في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا. فيلمها الثاني، "العجائب"، فاز بجائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان كان السينمائي 2014. "لازارو السعيد" هو فيلمها الروائي الثالث.

(**) mezzadria بالإيطالية، وهو نظام إيجاري زراعي قديم يعود إلى الفترة الإقطاعية واستمر في إيطاليا حتى ثمانينيات القرن العشرين. ويقوم فيه شخص بزراعة وفلاحة قطعة من الأرض مملوكة لأحد الإقطاعيين، في مقابل حصول المزارع على نسبة من المحصول.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024