البوكر والنشيد الوطني..

هشام أصلان

السبت 2017/04/29
 
1
هاتفني صديق للمشاركة في تحقيق صحافي حول ترشيح أكثر من دولة عربية أحد ساستها لانتخابات إدارة اليونسكو: "ألّا يزيد الاجتماع على مُرشح عربي واحد فرصة العرب في الوصول للمنصب الدولي؟". قلت كلامًا تقليديًا يذهب إلى أنه من الأفضل طبعًا. بعدها فكرت في مدى أهمية فوز عربي بالمنصب! هل تنتظر ثقافة وفنون وتراث الكوكب مرشحًا عربيًا لضبط أحوالها؟ العرب يريدون أن يستفيد العالم من خبراتهم في إدارة المؤسسات!

2
قال لي أحد كُتاب الستينيات إن مصر، ومنذ سنوات، لم تعد الأهم في الإنتاج الروائي العربي، كمًا وكيفًا. كان يرى أن هذا التراجع، الذي حدث بعد اكتمال تجربة جيل الستينيات، هو نتيجة طبيعية لظروف السياسة والتعليم وما يحدث للمجتمع المصري من انهيار عام عبر عشرات السنين. غير أنه تدارك عندما ذكّرته بكمّ ونوع الإنتاج الأدبي منذ ظهور عدد من الكتاب الشباب بعد بداية الألفية بقليل، ومن أُطلق عليهم جيل "الكتابة الجديدة". قال إن "الأمل فيهم فعلًا".

3
تذكرت الحكايتين وأنا أتابع الساعات السابقة على إعلان اسم الرواية الفائزة بجائزة بوكر الرواية العربية هذا العام.
كانت صفحات المهتمين مشغولة بتوقّع الرواية الفائزة من بين العناوين الستة في القائمة القصيرة. تمنى كثيرون من أبناء الجماعة الثقافية المصرية، الشابة خصوصًا، التوفيق لـ"غرفة العنكبوت"، رواية محمد عبد النبي. بصراحة وجدتني، مثلهم، أتمنى فوزه. ليس لأنه الأفضل، لم أقرأ روايات القائمة، لكن لأنه مصري! ليست شوفينية بالضبط، هي أقرب للقبلية، تمامًا كمشجع كُرة يريد أن يفوز فريقه ولو لم يكن الأفضل.

منذ سنوات، فاز الروائي التونسي شكري المبخوت بالجائزة. وقتها قالت أصوات: "مبروك لتونس الوصول إلى البوكر لأول مرة منذ إطلاقها". وبينما تصورت، لفترة معقولة، أن الصديق والروائي حمور زيادة جاء القاهرة من إحدى مدن صعيد مصر، رأيته مرة أو أكثر، بعد دخول روايته "شوق الدرويش" القائمة القصيرة للجائزة، يتحدث بالسودانية، "حقه طبعًا". بعدها بقليل فاز أمير تاج السر بإحدى جوائز كتارا للرواية، فتحدث البعض عن أن السودان يتألق.

"بوكر" هذا العام ذهبت لـ"موت صغير"، رواية السعودي محمد حسن علوان، فانتشرت إفيهات حول ارتفاع ثمن الرواية في مصر بسبب سعر الدولار والأزمة الاقتصادية، لكن الإفيه الأبرز كان للشاعر والمترجم أحمد شافعي، تحدث عن أن "السعودية أخذت البوكر وجزيرتي تيران وصنافير"، قبل أن يوضّح أن المسألة دعابة، وأنه يتفهّم أن الجائزة لرواية وليس لبلد الكاتب.

4
في مثل هذا الوقت من كل عام، يتحدث كثيرون عن منهجية إدارة "البوكر" في رسم خريطة جديدة للأدب في العالم العربي.
لا شك أن هذا حدث بمعنى من المعاني. ذلك رغم أن الإنتاج الروائي كان وسيظل وليداً لمجهودات فردية تمامًا. هو ليس وليدًا لتوجه دولة أو مؤسسة أو حتى فريق مستقل. الأصل في الموضوع أن الجائزة تذهب للرواية وليس لبلد كاتبها، حتى وإن رغب أصحاب الجائزة توزيعها باعتبارات جغرافية أو سياسية، أو لرغبة خاصة بتفتيت مركزية بلد، أو لفت النظر إلى بلد آخر. هذا يحيل إلى أسئلة من قبيل: هل ستتهاوى ثقافة بلد، أو ستقوم في بلد آخر بحصول أحد كُتابها على جائزة عربية أو غير عربية؟ ماذا فعلت نوبل نجيب محفوظ، على أهميتها، للكتابة العربية في الغرب باستثناء شيء من الترجمات ووصول محفوظ للعالمية؟ هل ذهب الغرب يقرأنا بنهم بعدها؟

الكلام عن فوز هذا البلد أو غيره بالجائزة مسخرة حقيقية. كلام يصوّر في المخيلة الروائي مرتديًا زيًا رياضيًا لحظة صعوده مصطبة وسط قاعة ألعاب أوليمبية، بينما يقلّده رئيس لجنة التحكيم ميدالية على أنغام النشيد الوطني لبلده، فيما يرتفع علم دولته رويدًا وهو يمسك بجائزته في يد، بينما يده الثانية تمسح دموعًا تدحرجت تأثرًا بكونه رفع علم بلاده عاليًا، وربما تكبر في رأسه ويهدي الفوز للسيد الرئيس "راعي الرياضة والرياضيين"، والدولة التي أهلته للبطولة!
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024