رسائل 2020... من قِطٍّ إلى آخر

أحمد شوقي علي

الإثنين 2020/12/28
فتحي؛ قِطّي الهرم، سلام إليك أينما كنت، في عيد ميلادك الثاني عشر.
وددتُ لو كنت رمزًا فيصير حضورك مفتوحًا على التأويل، مثل قبرك الذي أبى أن ينغلق على ما تبقى منك وانفتح إلى السماء، لكنك حقيقي، مثل قبرك الذي نبشته الكلاب، ربما بعد دقائق من دفنك.

مأساتك تشبه هذا العام الكئيب من عمر الإنسان؛ أن تتحول من دون أن تدرك -وأنت تتعثر في أبنائك (دلائل فحولتك) بين الشوارع المتقاطعة حول البيت، هؤلاء الذين يشبهونك وأنت لا تتذكر حتى أوصاف أمهاتهم- أن تتحول فجأة إلى قط هرم مصاب بداء السكري، وتموت –زاهدًا- من دون أن تنازع الحياة على البقاء، فتتورط معي. آخذك ملفوفاً في خرقة بيضاء –تشبه سخريةً الكفن- وأضعك في ما استطعت –بليدًا- حفرَه في الأرض بين نخلتين، كأنك بين قوسهما مقيمًا حتى فناء العالم، فإذا أنت فريسة سهلة للكلاب.

هذا العام الكئيب، غرّنا قوساه 20-20 مثلما غرتني النخلتين، فحمَّلناه من الأماني فوق طاقة عوده حتى انكسر، وفي الجحيم سقطنا، ومازلنا –بلداء- ننتظر انفراجة في آخره، غير أنك لم تستحق نهايتك، ولا نحن نستحق هذا الجحيم، نحن على خلافك لم نملك شيئًا لنزهد فيه، وإنما نسوق يومنا إلى غده... آملين في إدراك غده.

في الحقيقة لا أعرف يا فتحي، لو كان قوسا العام المتماثلين، تميمة حظ، هل كنا سنمر من انفراجته إلى عالم أرحب. ألفنا ثقل الأيام، مثل عمال السكك الحديد في رواية "صياد اليمام" لإبراهيم عبد المجيد، الذين أمال ما يحملونه من قضبان القطارات كواهلهَم حتى صاروا يعرجون في مشيتهم العادية بأكتاف تكاد تسقط منهم إلى الأرض وإن لم يحملوا فوقها شيئًا.

نحن يا فتحي، المولودين في ماض خلا من الأهداف، نسير إلى مستقبل يشبهه، وهذا العام القاسي طبيعيًا يشبهنا، ومثله ثورات الربيع العربي، ومثلهما المقبل من الأيام.

في زمن سابق، أمليتني ما دونته في افتتاحية كتابي الأول: "أحكي من دون تدبير مسبق لما سأحكيه، فقط أحكي، للحكاية نشوة لا يعرفها إلا الحكاء، أحكي فيتجمع حولي العالم بأسره، ولكني أفضل الحكي لنوح وركاب السفينة، فلعل الحكاية تهوّن عليهم السفر، وهم المسافرون في الفُلك كي يحلموا، والأحلام تغرسها الحكايات". لكنني لم أحك ليزيد أو يوسف، أخوتك وأبنائي، أي حكايات، لعلّي –من دون وعي- صرت غير واثق أننا/أنهم سنبحر يومًا صوب عالم/غد جديد، نحتاج فيه للأحلام، نحن عالقون في يوم طويل، لا يكرر نفسه، هو فقط اليوم ذاته لا يريد أن ينته.

عزيزي فتحي، أريد إبلاغك، أن الكتابة، أو ما أظنه كتابة، محض كذبة، لأننا نكتب عن الحياة من دون أن نعيشها، نحن ندفع الأيام لتمر. وهذه خيبة تصلح لختام رسالتي، تمامًا مثل خيبتي في دفنك، وكأنك لم تكتف من خيباتي، غير أنك كريم يا فتحي، وأكرم من هذه الأيام. لروحك السلام.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024