دولة العشق

محمد حجيري

الأحد 2019/11/03
خلال الأيام القليلة الماضي، مع فوران الشارع وغضبه وسخطه، بدا لي من غير قصد، كأنني أتعرّف من جديد، على علاقة حركة أمل بالدولة اللبنانية، وعلاقتها بالرئيس نبيه بري (أبو مصطفى)، وهي علاقة قائمة على الالتباس لناحية الدولة، (هل هي دولة خاصة؟) وتقديس نبيه بري "حامل الأمانة وحامي الدولة" برأيهم.


والحال أننا كثيراً ما نسمع النكتة الحركية التي تقول "لولا الهاء لكان نبيه بري نبياً"، ويغالي جمهور "أمل" في بعض المناسبات الانتخابية والسياسية (ذكرى تغييب الإمام موسى صدر)، فيكتبون على قمصانهم البيضاء "أنت النبي"... كل اللافتات والعبارات التي ترافق صور "دولة الرئيس" في أنحاء مختلفة من لبنان، وخصوصاً المناطق الشيعية، تدلّ على تقديسه وتمجيده ووضعه في مرتبة ما فوق البشر... ففي خضم قطع الطرق وحرق الإطارات خلال الأيام الأخيرة، كان عليّ ان ادخل في زواريب بلدة الجية الشوفية - الساحلية، لاعناً زحمة السير، وأنا أمشي ببطء في سياراتي، لفت انتباهي صورة كبيرة للرئيس بري قرب مقام النبي يونس، وقد كتب عليها "رئيس مجلس النواب إلى ما شاء الله، دولة العشق نبيه بري"، كأن العلاقة لا تقتصر على تأبيده في مركزه السلطوي الحالي، بل تتجاوز ذلك الى علاقة "شعرية" صوفية، فنادراً ما ترد عبارة العشق في أي لافتة سياسية... وسبق أن قرأت على احد حسابات الفايسبوك عبارة تقول "وُلد النبيه، وبقيت الأمانة محفوظة. سلام على عينية يا قبلة العشق، ويا حامي النهج، ويا أب المقاومة ومفتيها"...

وبعد فتح الطرق، وخلال زيارة إلى منطقة بعلبك، لاحظت عبارات باقية من الزمن الانتخابي مع صور بري تقول "إن خضتم البحر نخوضه معكم"، "معك إلى أن تموت الشمس"، وفي مواضع أخرى "يا ويلنا من بعدك يا دولة الرئيس"، و"يا وليهم اذ نفد صبرك"، وعلى احدى الصور "استاذ الكل، تاريخك علمنا حروف"، وهذه الشعارات اعتدناها في السياسة اللبنانية، وتظهر بقوّة في أوقات الشدّة والانقسامات وعضّ الأصابع.

ومع موجة الشعارات الاحتجاجية و"كلن يعني كلن" التي رافقت تظاهرات رياض الصلح وساحة الشهداء والساحات الأخرى، بدا في المضمر والمعلن، أن كل حشد تابع للطاقم الحاكم والمهيمن، بمختلف تلاوينه، يقول "كلن يعني كلن ما عدا زعيمي" "وزعيمي خط أحمر"، وهذا ينطبق بقوة على محازبي حركة "أمل" الغاضبين والساخطين بعد سماع شعارات ضد "قائده" في الساحات والاعتصامات، وكانت ردة فعله واضحة خلال الهجوم على ساحتي الشهداء ورياض الصلح. أحد المهاجمين يقول لمراسلة أحدى قنوات التلفزة: "إذا طلب منا الأستاذ نبيه بري، والسيد حسن، إنّا نحْرُقْ دِينُنْ، رحْ نحْرُقْ دِينُنْ!" وحاول أحد صحافيي "الممانعة" نسب كل الأفعال الهمجية في الساحات الى حركة "أمل"، على اعتبار أن حزب الله منزّه من الأخطاء والفواحش براء من ذلك.

عدا ذلك، شاهدت فيديو لشرطة مجلس النواب يغالون بما هو أبعد من "دولة العشق" ويهتفون "بالروح بالدم نفديك يا نبيه"، كأنهم "حركة" مجلس النواب وليسوا شرطة أو موظفين تابعين للدولة اللبنانية. في صورة ثانية شابان مقنعان من شرطة المجلس، لكن بدا انهما من خلال لباسهما نصف ميليشيا ونصف شرطة مع وشوم على الجسد، يستنفران ضد أي طارئ يطال دولة الرئيس وينتظران أي تحرك، وأي تحرك لم يحصل. في صور أخرى استنفار "أملي" في محيط عين التينة ضد مظاهرة لم تحصل، رغم أن الدعوة للتظاهر أمام مقر رئيس مجلس النواب نبيه بري، في عين التينة، "كانت أشبه بنكتة" بحسب "المدن"، ولم تتبنها معظم المجموعات التي تشارك في انتفاضة اللبنانيين وتظاهرات بيروت، تسمّر "قبضيات" حركة أمل على جميع مداخل عين التينة، وقطعوا الطريق المؤدية إليها استعداداً لـ"شبح التظاهرة المزعومة"...

وتتصرف "أمل" كأن قصر عين التينة ملكها الأبدي "حتى تموت الشمس"، والأرجح القوى الأخرى (الجنبلاطية العونية والحريرية وسائر القوى والاحزاب والشخصيات) لا تختلف كثيرا عن "أمل"، النموذج اللبناني الواضح والصارخ، في علاقته بالدولة وتوجهها. 
 ومع ذلك ثمّة من يقول: "لو دامت لغيرك لما وصلت اليك".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024