محمد لعموري: صوت الجرح في الخط الرقم 2

روجيه عوطة

الثلاثاء 2019/05/21
لا يمكن لركاب خط المترو الرقم 2 في باريس، ألا يكونوا قد اعتادوا الالتقاء بذلك الشاب الكفيف، الذي يحمل أورغه الكهربائي، ليعزف ويغني "أوتيل كاليفورنيا" لفرقة "إيغلز" على طريقة الراي الجزائري، أو "بيلي جين" لمايكل جاكسون على الطريقة اياها.

هو تقريباً رمز من رموز الوجه الفني للمترو، لخطه المذكور تحديداً، بحيث واظب، ومنذ العام 2004، على تقديم موسيقاه فيه، من حافة إلى أخرى، معتاشاً من عمله هذا، وممارساً ما ابتغاه منذ كان طفلاً. في بعض الأحيان، كان يبدل الخط، فيستقل الرقم 10، أو الرقم 8، لكنه سرعان ما يعود إلى الرقم 2، إذ أنه بمثابة عالمه من "بورت دوفين" إلى "ناسيون".

ولد محمد لعموري في تلمسان، وهي نفسها مدينة شهيد الراي، رشيد بابا أحمد، الذي اغتيل في تسعينات القرن الماضي. منذ بدايته، كان لعموري معجباً ببابا أحمد، بالإضافة إلى إعجابه الشديد بالشهيد الشاب حسني، الذي لقي مصير أحمد ذاته، اي الاغتيال. انطلق لعموري في تعلم الغناء والعزف، مرة على الدربوكة، ومرة على السانتيتيزور، ثم بدأ يشارك في فرق محلية، قبل أن تُدعى واحدة منها إلى فرنسا، فجاء معها، وعندها قرر البقاء: هنا الحرية، هنا الموسيقى. بالتالي، حمل اورغه، ونزل إلى المترو، وشرع في تقديم فنه، الذي، في البداية، كان مجرد تأدية لأغنيات الراي الشهيرة، ثم غدا تحويلاً لأغنيات عالمية شهيرة إلى أغنيات راي، حتى صار حالياً تقديماً لأغنيات خاصة من الوجهة نفسها.

في العام 2013، اتصل منتج "لاسوتيرين"، بانجيمان كاشيرا، بلعموري، واتفقا على تسجيل بعض أغنياته، فكان ذلك بالتعاون مع الموسيقية اودري جينيسته. عن هذا التسجيل، صدر كاسيت، يؤدي فيه لعموري روائع الراي، وسرعان ما انتشر، الأمر الذي حمل الكثير من منظمي المهرجانات أو القائمين على المحلات الأندرغراوندية إلى دعوته. ذاع صيت لعموري، لا سيما أنه، في يوم من الأيام، دعاه رشيد طه خلال إحدى حفلاته إلى مشاركته العزف في حين كان بين المتفرجين، وعندما صعد إلى المنصة، قدما عرضاً لامعاً للغاية، ما دفع منتجين من شركات كبيرة مثل "سوني" إلى التفاوض لتوقيع عقود معه، لكنه قرر الابقاء على علاقته بكاشيرا، الذي لا يهتم سوى بالموسيقى التي يحتويها المترو، وكل عالم تحتي مثله.


من هنا، صدر بداية هذا الشهر ألبوم لعموري الأول بعنوان "اندرغراوند راي لوف"، وقد اشتمل على 11 أغنية، سجلها مع فرقة Mostla. مع سماعها، لا مناص من التوقف عند صوت الفنان، الذي لا مبالغة في القول أنه صوت الجرح. يحيل إلى كونه، بداية، ممزقاً، لكن تمزقاته هي التي تتيح لعبارات لعموري أن تخرج منها. صحيح أن هذه العبارات، ومع تلفظها، تبدو مجروحة، لكنها جارحة أيضاً. على هذا النحو، صوت لعموري لا يدور سوى من جرح، ولا يدور سوى كجرح، وعندما يُصوِّت العبارات تلك، غالبا ما يصير  جرحه حسرة شديدة. فحتى في أغنيات تؤلفها إيقاعات متفاوتة، لتجعلها رقصية، يبقى صوت لعموري على ما هو، أي بمثابة مزق في قلب البهجة، فيزداد الإثنان بهاءً.

بعض أغنيات ألبوم الحب والراي في العالم السفلي، كتب قصائدها لعموري، كاغنية "ana rani" ، أو "khelletini" ، أو "rire anti"، التي تنطوي في غالبيتها على مناجاة. أما البعض الآخر، فتوزيع جديد لعدد من أغنيات الشاب حسني، مثلما انها بمثابة تقديم تحيّة إليه. وفي الكثير من الأغنيات، يُسمع نوع من الضجة الخلفية في جوّها، الذي لم يأت خالياً منها. فهي التي لا تجعل الألبوم استديوهاتياً خالصاً، بل تُبقيه على صلة بذلك المكان، الذي سبق أن قدَّم لعموري، اي المترو. فعلى متن هذا الألبوم، ينقل مُصوِّت الجرح مستمعيه إلى الخط الرقم 2، مطرباً إياهم كأنه يقف أمامهم في الحافلات التي لم ينصرف منها. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024