فوتبول جان كلود ميشيا: أجمل هدف هو التمريرة

روجيه عوطة

الإثنين 2018/07/09
بعد الحلقة الأولى عن كتاب "الفوتبول، طاعون عاطفي" لجان ماري-بروم ومارك بيريلمان، والحلقة الثانية عن "سقراط منتعلاً الحذاء اللاقط" لماتياس رو، والثالثة عن فوتبول مهدي بلحاج قاسم، هنا الحلقة الرابعة من سلسلة "مكتبة الفوتبول"، عن كتاب "أجمل هدف كان تمريرة" لجان كلود ميشيا.

لإهتمام الفيلسوف جان كلود ميشيا، بكرة القدم، مردّان: الأول، أن صاحب كتاب "أجمل هدف كان تمريرة" (كليما، 2014)، اتصلت الكرة بطفولته ومراهقته بسبب والده الذي كان صحافياً رياضياً. والثاني، أنها ترتبط بمجموع وجهات نظره ومواقفه من الرأسمالية، التي لا شك أنها قبضت على تلك اللعبة، وحولتها إلى دولاب من دواليب إقتصاد سيطرتها.

يقترب حديث ميشيا عن كرة القدم، من مدونة النظرية الناقدة للرياضة، بحيث يدور بمجمله حول تغيرها إلى ما يسميه "صناعة فوتبولية" التي تتصف بتسليع اللاعبين، استخدام أدوية التنشيط، فساد المؤسسات، القسوة في اللعب، شيوع الغش في المباريات إلخ. وبالتالي، يبدو حديثه هذا مكروراً للغاية، لكن هذا لا يلغي أنه ينطوي على ابتداع محدد. وذلك، لأن ميشيا لا يكتفي بالكلام عن راهن كرة القدم من ناحية مشهدها فحسب، بل من ناحية تقنية مزاولتها أيضاً.

ففي هذا السياق، يرتكز على عدد من الإحصائيات، التي تبين انخفاض عدد التمريرات في أغلب مباريات كرة القدم، مستنتجاً أن هذا يدل على كون اللعبة قد انقلبت من اشتراكية إلى فردانية. فما عادت الفوتبول تتمحور حول كيفية إنتاج الفريق لحركة جماعية تقوم بتمرير الطابة بين لاعبيه، بل صارت تتمحور حول استيلاء لاعب بمفرده على الطابة وذهابه بها إلى المرمى بمعزل عن رفاقه. وفي الوقت نفسه، ما عادت اللعبة تتمحور حول الهجوم، بل حول الدفاع، ليس حول المخاطرة، بل حول انتظار الظروف السهلة للفوز. وهكذا، تنتهي الفوتبول إلى كونها لعبة مختزلة في الربح، الأمر الذي يبددها كفنٍّ اجتماعي وأدائي.

من الممكن تحويل استنتاج ميشيا إلى معادلة لقياس اللعب في كرة القدم. فكلما كان الفريق نشيطاً في تمرير الطابة بين لاعبيه الذين يجهدون في تنسيق الهجوم، يكون فريقاً بارعاً. أما عندما يعتمد على إبقاء الطابة مع لاعب واحد، يمضي إلى الهجوم اليسير فقط، يكون فريقاً مخفقاً. وهذا، حتى لو أن الفريق الأول هو الذي خسر أمام الفريق الثاني. فمعنى اللعبة ليس في نتيجتها، أو عدد الأهداف، بل في طريقة لعبها، أو بالأحرى في استنزاف كل طرق لعبها. على هذا النحو، وباختصار، قيمة كرة القدم في ارسائها لصلة متحركة بين أعضاء فريقها تؤدي بهم إلى الفوز بابتكار، وليس في حث هؤلاء على التحرك، وكل منهم دون غيره، إلى تسجيل الهدف مباشرةً وبشكل ممل. ومع انقلاب كرة القدم إلى لعبة محكومة بالمنطق الربحي، فإنها تنتج تشجيعاً خاصاً بها. من هنا، يرى ميشيا أن المشجع، بما هو مهتم بالفوتبول ومطلع على تقنياتها واساليبها، بالإضافة إلى كونه هاوياً لها، قد اختفى. وحل مكانه المشجع الذي يذهب إلى التفرج على المباراة من أجل جعلها ذريعة لمعركة يخوضها ضد أغياره، وذلك، بلا أن يتابع مجريات اللعبة فعلياً. المشجع الملم لا يصفق عندما يقدم فريقه على إحراز هدف فحسب، بل عندما يقدم الفريق الخصم على إحراز تمريرة مميزة مثلاً، أي أنه يشجع على اللعب الخلاق، وليس على الربح.

يشوب حديث ميشيا عن الفوتبول بعض النوستالجيا، بحيث أنه لا يتوقف عن الإشارة إلى ماضيها، مفتشاً عن الضائع فيها، مؤكداً أنها على وشك فقدان كل بريقها. لكن هذه النوستالجيا لا تبعده عن الإعتقاد بأن كرة القدم، وعلى الرغم من وضعها الحالي، لا تزال حقلاً حياً، ومن الممكن الوقوع فيه على فِرَق لا تكترث باللعبة "الواقعية"، متمسكةً بتلك اللحظة التاريخية، التي تبدلت فيها كرة القدم من لعبة دحرجة انكليزية إلى لعبة إمرار اسكتلندية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024