جانين نيابس: "أيام فرنسية"

جوزيف الحاج

الإثنين 2019/03/11
"فوتوغرافيا فرنسية" عنوان معرض استعادي لأعمال الفرنسية جانين نيابس
(Janine Niépce (1921-2007، محاولة، ربما هي الأولى لإكتشاف أعمالها (حتى أيار القادم في صالة "بولكا"- باريس). 
   

تنتمي إلى التيار الإنساني، سليلة العائلة التي أنجبت نيابس مخترع الفوتوغرافيا "هذا القريب الذي ترك إرثاً عظيماً" قالت عنه. في ذاكرة جيلها: هزيلة تجر حقيبة قديمة، تجول بها على الوزارات ودور النشر والصحف لبيع تحقيقاتها. أنيقة، عنيدة. مثقفة طليعية على عكس ما يوحي به مظهرها البورجوازي. من مواضيعها: نضالات حقوق المرأة، تحولات الأرياف، انتشار التلفزيون، أيار 68، مخيمات الأب بيار، سنوات السيدا، أولى النساء في السلطة...  ثابرت خلال 60 عاماً، على تصوير مواطنيها "في أدوارهم التقليدية والمعاصرة"، كتبت في "فرنسا" الذي أعدت مقدمته مرغريت دوراس.

عشقها للصورة جاء من تصفحها لأشهر المجلات المصورة آنذاك "L’Illustration". تخصصت في تاريخ الفنون والتصوير الفوتوغرافي. بدأت تصوير العمارات والتماثيل. أنهت الحرب الثانية طفولتها. انضمت إلى المقاومة  الفرنسية: كُلفت سراً بطبع صور المواقع الألمانية وتوزيعها على دراجتها، حاملة هوية مزورة.

في 1947 صورت أول ريبورتاجاتها الشهيرة (الإضرابات، اليسار في السلطة، البطالة، العولمة، والتغيرات المناخية...)، مفتتحة حياتها المهنية، كـ"مصورة صحافية"، اللقب الذي سعت إليه بجدية.

كل المحترفين الذين التقتهم في بداياتها، اعتبروا أن صورها "فارغة وبائسة. نصحوني بالإبتعاد عن الريبورتاج، والإنصراف إلى البورتريه فقط. تمنوا لي الزواج علّي أتراجع عن أفكاري"، كما كتبت في "سنوات المرأة". ردّها كان: "وزن الطفل أثقل من معدات المصور، والعمل المنزلي أقسى من مهنة التصوير". وحده هنري كارتييه- بريسون نصحها بالخروج إلى العالم، ورصد المجتمع، وقراءة الصحف، وترك التقنية جانباً لأنها من اختصاص المختبرات، وتفويض البيع لآخرين. في 1955 انضمت إلى وكالة "رافو"، تعرّفت على سابين فايس، فشكلا معا الثنائي الأنثوى في التيار الفوتوغرافي الإنساني. 

ظلّت خارج التصنيف، تحيّر كل من عرفها عن قرب. إنسانية في ثياب أنيقة، متواضعة، باريسية لم تتخل عن جذورها الريفية. مصوّرة مدهشة للطبيعة لكن منشغلة بالمواضيع النسوية والعائلية.

في صورها اختلطت كل الأشياء: الرجل الذي يقرأ القصة المصورة هو والدها، الطفل المتسخ في صورة عازف الطبل هو إبنها، اهتمامها بالعائلة كان حاجة يومية. "تتكلّم صورها عن أشياء خبرتها، شاهدتها، وأحسّت بها. جعلت من نفسها مرآة لكل النساء" كتب كلود روا. عن معرضها في 1960 كتب ناقد "لوموند": "أخرجتنا من فوتوغرافيا المواضيع المبهجة. كما أن هناك أدب ملتزم، هل سنشهد معها فوتوغرافيا ملتزمة؟".

لم تتوقف طوال حياتها المهنية عن توسّل الناشرين والمؤسسات الثقافية للحصول على عمل، في زمن كان يصعب على المرأة فيه أن تعيش من هذه المهنة. "كانت موهوبة في نظرتها وفي إنصاتها للآخرين. لم تحظ أعمالها ما تستحقه العداوة تجاه المرأة في هذا الوسط المهني، بينما كانت في مستوى مشاهير التيار الإنساني في الفوتوغرافيا. إن موقعها محفوظ بين هؤلاء العظماء" قال ناشر ألبوماتها هيرفيه دولامارتينيير الذي شجعها على الكتابة أيضاً. "لم تكن مثل دوانو وروني الذين أحدثوا ثورات في قلب الفوتوغرافيا، لكنها احترفت المهنة بنجاح"(مونيك بلون).

كان همها التوثيق لا تطوير النظرة. "من مهمات المصور التركيز على الحاجة إلى التغيير. يجب أن يمهد الريبورتاج إلى تحقيق إجتماعي. انطلق الأميركيون في حل تداعيات أزمة الثلاثينيات الاقتصادية من صور دورتيا لانغ وواكر إيفانز لتحقيق إصلاحات اجتماعية جذرية" قالت. ضمّنت صورها تفاصيل صغيرة تدعو المشاهد إلى التساؤل.

حياة جديدة تنتظر أعمال نيابس بعد هذا المعرض، برأي حفيدتها حافظة صورها "كل هذه الحقائب القديمة الملأى بالصور، يجب أن تصنّف وفق منهج حديث، لإعطاء هذه التركة فرصة إعادة تقييمها والاعتراف بأهميتها وتوزيعها ودراستها، لأنها لم ترغب يوماً أن يصبح هذا الميراث "هدية مملة" حسب تعبيرها".

ما مواضيعها المجهولة المودعة في تلك الحقائب؟ هي كثيرة منها تحقيقات عن المدافعين عن الزراعات البيولوجية، أوضاع الريف، بورتريهات نساء تركن بصماتهن على زمننا، مشاكل الحياة العائلية، تظاهرات ضد تعنيف المرأة...

لها 19 ألبوماً، معارض عديدة وبعض الأوسمة الرسمية. تعطشها إلى الحياة واحتضانها للمصورين المبتدئين جعلا منها امرأة تعيش حاضرها بشغف. 
"المعركة مستمرة" كانت تردد كلما أعادت مشاهدة مواضيعها النسوية.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024