بطريرك الجزائر وفداحة الصورة

محمد حجيري

الأربعاء 2019/03/06
صورة الرئيس الجزائري عبد العزيز بو تفليقة، وهو على الكرسي المتحرك، يعاند احتضاره، او هو يتلقى العلاج في المستشفيات الأوروبية، ومع ذلك يصر على ترشحه لولاية أو "عهدة خامسة" بالتعبير الجزائري، تعتبر أكثر فداحة من صورة الرئيس الذي يسقط بانقلاب، أو يقتل (ولا تقل فداحة صورة جميلة بوحيرد، المصابة بفصام ثورجي، بين تأييد صانع الموت السوري، وصانع البؤس المصري، وتتظاهر ضد التجديد لـ"الكسيح" السياسي الجزائري).

صورة الرئيس الجزائري على كرسيه المتحرك أو على حمالة المستشفى و"شغفه" في البقاء، ذكرتنا بشخصيات الدكتاتوريات في الرواية اللاتينية. يعيش الديكتاتور في رواية "خريف البطريرك" لماركيز لأكثر من مائتي عام، حيث يصبح شخصًا مثيرًا للاشمئزاز وفاسدًا ومتعطشًا للدماء، وبيده سلطة غير عادية، حيث يخشاه الجمع، أما تورخيو الديكتاتور في رواية "حفلة التيس" لفرغاس يوسا، فهو عاشق مضاجعة العذراوات الذي، لا يستطيع أيضًا أن يسيطر على مثانته وعضلات البروستاتا وغالبًا ما تضعه في بعض المواقف المحرجة بسبب هذا السلس البولي الذي يسيل لا إراديًا بين فخذيه ملوثًا بنطاله.

"الرفيق" بوتفليقة يخشى أن يترك الكرسي وهو على قيد الحياة، مثله مثل اقرانه في العالم العربي، اعتادوا البقاء على الكرسي حتى آخر نفس، وربما آخر نقطة دم، ومعظم هذه الدول قائمة على التوريث أو الحكم البوليسي، باستثناء الجمهورية اللبنانية التي تحصل فيها "انتخابات كونية" من اجل وصول رئيس للجمهورية بطريقة فولكلورية، ومع ذلك كانت الرئاسة سبباً في تفعيل أكثر من حرب أهلية، ولطالما مُدد لرؤساء أو سعى رؤساء إلى التمديد، بمعنى آخر الكرسي ليست بخير.

مسألة الرئاسة في الجزائر، وإن كانت اقل حدة من بعض انظمة الطغيان العربية، ولكنها غير بعيدة عن سياسة الرتابة، حصلت استقالات لرؤساء، بمعنى انه تخلوا عن الكرسي من دون انقلاب عسكري، ولكن هذه الاستقالات كانت جزءاً من لحظة الازمة أو حصلت بأمر من الحاكم الفعلي في الكواليس(اي العسكر) وليست تعبيراً ديموقراطيا كما هو متعارف.


الجزائر، بلد كاتب ياسين وأسيا جبار، ونعرفها في أدبياتنا الشعبوية والثورجية بـ"بلد المليون شهيد"، شهدت وصول أحمد بن بلا القريب من الناصرية الى السلطة 1963، وسرعان ما اقتيد الى السجن بعد خلاف بين مجلس قيادة الثورة، أما هواري بومدين الذي عزل بن بلا بقي في الرئاسة حتى وفاته عام 1978، وعرفت الجزائر أيضا رؤوساء مؤقتين مثل رابح بيطاط، ورؤساء من علامات "الحرب الباردة" مثل الشاذلي بن جديد من 1979 حتى 1989، تلك المرحلة التي كانت تشهد موجة البرويستريكا الغورباتشوفية، ترهلت المنظومات القومية والاشتراكية والسوفياتية، وعادت الجماعات إلى هوياتها الضيقة وعصبياتها واثنياتها، نادى بن جديد بالإصلاحات السياسية التي أفضت إلى المصادقة على دستور فبراير 1989 وإقرار التعددية السياسية، وكان المشهد ان تنامت الجماعات الاسلامية مع بدايات التسعينيات، وشهدت بداية الصدام بين "جبهة الإنقاذ الإسلامية" وبين الحكومة الجزائرية، ما دفع المسؤولين الجزائريين لاستدعاء محمد بوضياف، أحد وجوه الثورة الجزائرية، من مقر إقامته في المغرب ليتولى مسؤولية رئاسة البلاد. ولقي بوضياف مصيرا لم يسبقه إليه أي رئيس جزائري آخر، إذ اغتيل في يونيو عام 1992 أثناء إلقائه خطابا في مدينة عنابة. تماهت الجزائر مع موجة التحولات التغييرات في العالم، ولم تكن على استعداد للنتائج، ودخلت البلاد في أتون القتل والمذابح الأصولية، استُهدفَ المثقفون والصحافيون والسياسيون الذين قالوا علنا "لا للارهاب ولا للدم باسم الجهاد" داعين لمحاربته بالسيف والقلم. ذُبح الصحافي والشاعر يوسف سبتي بمسكنه في الحراش في 28 ديسمبر 1993، واغتيل الكاتب المسرحي عبدالقادر علولة (1993)، ومن ينسى اغتيال الكاتب المسرحي الطاهر جاعوت، ومواقفه من الإسلاميين اذ قال مرّة كلمته الشهيرة وظلّت تُدوّي من بعده: "إذا تكلمت تموت وإذا سكتّ تموت، إذاً تكلّم ومت..."، ولاحقا اغتيل المغني الأمازيغي معطوب اليوناس(1998).


 بوتفليقة منذ وصوله الى الرئاسة 1999، بتنا لا نسمع عن الجزائر الى كلمات الحيطيست (اي شباب البطالة) الذي يقفون على النواصي او يسندون الجدران، كأن الجزائر بلد الحيطيست. واليوم الجزائر مع ترهل بوتفليقة بعد 20 عاماً على وصوله الى الكرسي، ثمة من يريد من حاشيته ان تبقى السياسة في دائرة الاحتضار والرتابة، والمشهد فيه جوانب من بؤس السيسي في مصر، وجوانب من لاحاكمية بشار الأسد سوريا، فقد أعلن الجيش الجزائري أنه سيضمن الأمن ولن يسمح بعودة البلاد إلى "سنوات الجمر والألم"، وذلك في أول تعليق له على الاحتجاجات التي تطالب الرئيس بعدم الترشح، أي ان هناك الحاكم الصوري والحاكم الفعلي، أو الوكيل والأصيل...
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024