ماذا لو لم يكتب عبد الرزاق قرنح بالانكليزية؟

محمد حجيري

الخميس 2021/10/07
لا ريب أن فوز الكاتب التنزاني الزنجباري اليمني، عبد الرزاق قرنح، بجائزة نوبل للأداب 2021، يشكل "مفاجأة" بالمعنى الإيجابي، ويعيد تفعيل نظرة الجمهور إلى دور جائزة نوبل للآداب، وهي التي عاشت ما يشبه "الرتابة" خلال السنوات الأخيرة، إما بسبب الفضائح الجنسية والتحرش أو بسبب الاختيارات التي لم تعجب كثيرين ولم تكن موفقة... وإيجابية قرنح أنه من خارج الأسماء المكرّسة المستهلكة المتداولة في الصحف العالمية (موراكامي، مارغريت اتوود، آن كارسون، نور الدين فارح)، وأتى الفوز من الجانب الخفي، من الجانب الذي تمناه كثر حين دعوا إلى توسيع آفاق الجائزة، لتكون أكثر تنوعاً حول العالم، وهو من خارج الأسماء المُراهَن عليها في بعض العواصم الأوروبية (تحديداً آني ارنو)، ومع أن الكثير من المقالات ركّز على الصومالي، نور الدين فارح، كمرشح إفريقي للفوز، جاء الفائز من مكان غير متوقع.

هذه هي نوبل عموماً، تعيش مرات في النمطية، ومرات في الصدمات ومرات أخرى في السياسة والصراعات والمحاور، من دون أن ننسى الفضائح...

وأكثر من جانب يمكن التطرق إليه في شخصية عبد الرزاق قرنح، الذي لم نقرأ أدبه بعد، ولا نستطيع أن نحكم عليه، مع أن الكثير من النقاد يصفونه بالمشوّق والمثير للاهتمام لناحية جذب القارئ بأسلوب لا يوازيه روائي إفريقي آخر... وقرنح، الذي له حضور لافت على الصعيدين الأدبي والأكاديمي في بريطانيا وأوروبا، ما زال غير معروف لدى القارئ العربي، فهو لم يترجم الى العربية، وإن كان كُتب عنه هنا وهناك في بعض المجلات العربية، مقالات تناولت تحديداً علاقته بحضرموت والثقافة السواحيلية. وهو أيضاً من الأسماء القليلة الإفريقية التي نالت الجائزة، ومن الأسماء "المُسلمة"، وهذا له دلالاته الواسعة، بالنسبة لمراقبي مسار الثقافة الأوروبية وتعاطيها مع الآخر، وبالنسبة حتى لأصحاب عقلية المؤامرة، إذ لطالما اتهم بعض النقاد الجائزة بـ"أنها معادية للعرب والمسلمين" ومنحازة للصهيونية...

عدا ذلك، قرنح ابن الثقافة الكوزموبوليتية التي تمزج الحداثة الغربية مع ثقافة الشعوب ولغتها، وقد أوضحت لجنة التحكيم أن المؤلف الذي تشكل رواية "باراديس" ("الجنة") أشهر مؤلفاته، مُنح الجائزة نظراً إلى سرده "المتعاطف والذي يخلو من أي مساومة لآثار الاستعمار ومصير اللاجئين العالقين بين الثقافات والقارات"... و"تفانيه من أجل الحقيقة، وكرهه للتبسيط، مذهلان"... و"تبتعد رواياته عن التنميط، وتفتح عيوننا على شرق إفريقيا المتنوع ثقافياً، وغير المعروف بالنسبة لكثيرين حول العالم".

قرنح، العصامي والأفريقي، التنزاني لناحية الأم، اليمني لناحية الأب الحضرموتي لناحية القبيلة او العائلة (تمتد أصوله إلى عائلة قرنح في الديس الشرقية في حضرموت)، والزنجباري لناحية الولادة، ولد العام 1948 في جزيرة زنجبار التابعة لتنزانيا، لكنّه فرّ منها العام 1968 عندما كانت الأقلية المسلمة تتعرض للاضطهاد. فلجأ إلى بريطانيا طلباً للعلم، ولم يتمكن من العودة إلى زنجبار إلا في العام 1984، ما سمح له برؤية والده قبل وقت قصير من وفاته. 
وحين سئل عن تصنيفه كأديب "ما بعد الكولونيالي"، أو ضمن "أدب العالم"، قال: "أفضل ألا أٍستعمل أي عبارة من هذه العبارات، لا أصنف نفسي ككاتب ضمن أي تصنيفات. في الواقع، لست أكيداً إن كنت أطلق على نفسي شيئاً غير اسمي".

قرنح، مثله مثل الكثير من الكتاب المهاجرين (الهندي سلمان رشدي، والباكستاني حنيف قريشي، والمصرية أهداف سويف، والصومالي نور الدين فارح) أعادوا انعاش الثقافة البريطانية بهواجسهم وسردياتهم العابرة للقارات...

لا يتلكم قرنح العربية، مع أنه تعلم القرآن في طفولته، والكثير من القصص التي سمعها هي نتاج ثقافة الامتزاج (عربية وهندية وفارسية) التي تتميز بها بلاده زنجبار، وانعكست في كتاباته، وهو بدأ الكتابة عندما كان ابن 21 عامًا في المنفى الإنكليزي. ورغم أن اللغة السواحيلية كانت لغته الأولى، إلا أن اللغة الإنكليزية أصبحت أداته الأدبية، ونشر 10 روايات وعدداً من القصص القصيرة، ورواياته تعالج عموماً قضايا الهجرة والتاريخ والعنصرية. 

وثمة إشارة مهمة قالها بعض الفسابكة: ماذا لو لم يكتب قرنح بالانكليزية وأخواتها الغربيات، هل كان ليفوز بنوبل؟ هل ستبحث لجنة التحكيم عنه؟ كتب الروائي العراقي شاكر الأنباري، تعليقاً بهذا الخصوص، يقول: "خلال مئة سنة من عمر جائزة نوبل، كانت الأعمال المكتوبة باللغات الإنكليزية، والفرنسية، والإسبانية، والألمانية، هي المتصدرة في الفوز، ونادراً ما فازت أعمال غير مكتوبة بتلك اللغات، أي مترجمة من لغات خارج تلك الخيمة، ما عدا استثناءات قليلة جداً، وشبه نادرة. هناك روائيون عرب، وشعراء كبار، يوازون، ويقفون في الكفة ذاتها إبداعياً مع كثير من الفائزين النوبليين، لكن قدرهم هو كتابتهم باللغة العربية. اللغة التي صاحبتها، عبر قرون، إشكالات تاريخية، واجتماعية، ودينية، في نظر مؤسسات الثقافة العالمية السائدة، والمهيمنة على موازين التقييمات الإبداعية".

وكتب المترجم غسان حمدان: "على أدباء العالم الثالث وخاصة الشرق الأوسط، كتابة إبداعاتهم بلغات أجنبية من أجل الشهرة والفوز بجوائز عالمية. وفي غير هذه الحالة، عليهم أن يدفعوا المال من جيبهم الخاص للمترجمين لكي يقدموا رواياتهم إلى قراء الضفاف الأخرى".

ماذا لو، سؤال دائم، لا غنى عنه، خصوصاً إذا كانت جائزة بمستوى نوبل.. فحين تنتهي الأسئلة حول جائزة، تنتهي الجائزة.

بالطبع، مع فوز قرنح بنوبل، سيكون مسقط رأسه زنجبار موضع اهتمام الرأي العام، وسنقرأ كثيراً عن أصل هذا الكاتب وفصله، ربما على الطريقة اللبنانية...
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024