تحرش على مائدة التسامح

محمد حجيري

الإثنين 2020/10/19
في النظر إلى ما صرحتْ به البريطانية كيتلين ماكنمارا، عن تعرضها لاعتداء جنسي من قبل وزير التسامح الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، أثناء عملها على إطلاق مهرجان "هاي" الأدبي في أبوظبي... يمكن القول إن القضية ليست في أن نصدق أو نكذب او نتحدث عن "مؤامرة" على وزير ينسب الى نفسه لقب التسامح... ما يمكننا التصويب عليه، أن ما تعرضت له المواطنة البريطانية يحصل كثيراً مع غيرها من النساء في العالم، الكثير من الشخصيات النافذة والمتمولة تخطط للسيناريو نفسه، في عالم التمثيل والإعلام والوزارات السياسية والجمعيات المدنية والأدبية، وفي الكثير من البلدان العربية، وحتى الغربية (هوليوود، ونوبل نموذجان)... ثمة في هذه الأوساط من يعتبر أنه بالمال والنفوذ والهدايا الفاخرة، يستطيع السطو على أجساد النساء وحياتهن وخياراتهن... بل أكثر من ذلك، كثيرات من "الساقطات" أو الانتهازيات، يطمحن أن يكن ضيفات على مائدة الوزير أو الأمير، وفي قصره وفي سريره وفي منتجعه، لغاية محددة، بانتظار ساعة الألماس او الشيك المصرفي او حتى الوظيفة أو الجائزة، هن جواري مودرن... ومن هذا المنطلق، إذا صحّت أقوال المواطنة البريطانية، يمكننا القول أن وزير التسامح الملقب بـ"شيخ القلوب" ربما توهم أن كل النساء "زي بعض"، وأن النفوذ والقصور والولائم تجعله معشوقاً. وإن قدراته تجعل التحرش والاعتداء مسموحيَن بالنسبة إليه، بل أحدهم قال من باب المزاح إن الوزير ربما يعتبر التحرش أحد بنود التسامح.

ما قالته المواطنة البريطانية في تفاصيله، أشبه بسيناريو فيلم هوليوودي. تحكي ماكنمارا التي درست اللغة العربية في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن SOAS، بعد دراسة العلاقات الدولية في جامعة "ساسكس"، وتخصصت في الدبلوماسية الثقافية كونها "تؤمن بالحوار والمشاركة"، أنها تلقت بعد وصولها إلى الإمارات في يوم عيد العشاق 14 شباط، مكالمة هاتفية من "شيخ القلوب"(لقب الوزير الإماراتي)، وقالت: "سألني عن حالتي، وطلب مني تناول العشاء معه"، وتضيف: "لقد كانت محادثة رسمية قصيرة للغاية.. لم يسبق أنه تحدثت معه أبداً عبر الهاتف ولا التقيته بمفردي، وافترضت أنه سيكون لقاءً مع بعض الإماراتيين البارزين بشأن المهرجان". ويوضح التقرير المطول الذي نشره الإعلام البريطاني أن ماكنمارا اعتقدت أن هذه ستكون فرصة لتتحدث مع الشيخ، حول قضية أحمد منصور، الشاعر المحكوم عليه بالسجن 10 سنوات بتهمة نشر منشورات في مواقع التواصل الاجتماعي "تنال من مكانة وسمعة الإمارات"، كونها مُدافعة عن قضايا حقوق الإنسان. وتتابع أنها صُدمت عندما استقبلها الشيخ في فيلا الجزيرة بعناق وقدم لها ساعة مرصعة بالألماس، تبلغ قيمتها حوالى 3500 جنيه إسترليني. ثم جلس على الأريكة و"أشار إليّ بالجلوس إلى جانبه وفتح التلفاز وبدأ الحديث عن دونالد ترامب" و"طلب مني خلع حذائي وهو ما لم أفعله". و"بدأت بالحديث عن منصور (الشاعر) حيث اعتقدت أن اللقاء هو عنه، وبدا منزعجاً. ورد بغضب إنه من الإخوان المسلمين ولن يخرج من السجن. وهي صراحة غير معهودة". وفي التفاصيل، قالت ماكنمار: "كانت هناك مشكلة واحدة في ما يتعلق بالعمل مع أبوظبي، ففي الوقت الذي يشجع فيه مهرجان "هاي" على حرية التعبير، فإن منظمات حقوق الإنسان تنتقد الإمارات باستمرار بسبب قمعها للمعارضين".

ماكنمارا التي أوصلها سائق الوزير إلى الفيلا أو القصر، تقول، أن الشيخ، قدم لها النبيذ الأبيض، قبل أن يجلس بجانبها على الأريكة، ويبدأ في لمس ذراعها وقدميها. وتتابع "فجأة سألت على سبب وجودي هناك. شعرت بالسذاجة، كنت وحدي في هذه الجزيرة في مبنى خرساني مع هذا الرجل القوي الذي يتحكم في كل جانب من جوانب حياتي هناك، رحلاتي الجوية، تأشيرتي. أعلم أن هؤلاء أشخاص لا يمكنك أن تغضبهم، لقد قضيت وقتاً كافياً هناك لمعرفة قوته وتأثيره في بلد تُسمع فيه كل يوم قصص عن أشخاص اختفوا في الصحراء". وبحسب قول "ماكنمارا" أنها طلبت المغادرة، لكن الشيخ أصر على إطعامها وليمة من الأطباق، بما في ذلك فطيرة الراعي وشرائح اللحم ورقائق البطاطس. وتستطرد بالقول: "لقد بدأ الأمر فظيعًا حقًا. لقد أمسك بوجهي وبدأ في تقبيلي". وتدعي أن الشيخ أخذها في وقت لاحق في جولة في الفيلا، وبدأ في لمس ثدييها الى آخر السيناريو. في اليوم التالي، فرت "ماكنمارا" إلى إمارة دبي المجاورة، وأبلغت مسؤولاً قنصلياً كبيراً في السفارة البريطانية بادعاءاتها. وتقول إنها كانت خائفة من إبلاغ الشرطة المحلية بالحادث، بسبب سلطة الأسرة الحاكمة، قبل أن تغادر الإمارات في 23 فبراير، أي قبل يومين من افتتاح المهرجان. وانتظرت "ماكنمارا" حتى عودتها إلى المملكة المتحدة لإبلاغ الشرطة بالموضوع.

قضية المواطنة البريطانية ستأخذ الكثير من الجدل والبلبلة في الاعلام البريطاني والعربي، خصوصاً أن الوزير المتّهم يقود وزارة فيها الكثير من "التثاقف الحضاري" وجوهرها "رسالة"، وأتت فكرتها انطلاقاً من التسامح كـ"قيمة وطنية" و"اسلامية"، ومن هنا، على دولة الإمارات وضع القضية في الاطار القانوني والحقوقي والقضائي، وليس التكابر والاستعلاء أو التجاهل أو حتى الضغط، لأن خبر الاعتداء على الناشطة البريطانية، فجّر فكرة الوزارة وجوهرها.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024