حريق مبنى زها حديد البيروتي.. الهندسة ونَسَبها

المدن - ثقافة

الثلاثاء 2020/09/15
انشغل الرأي العام بالحريق الذي شبّ في مبنى "آيشتي" في وسط بيروت، والذي لطالما تباينت الآراء حوله.. وسرعان ما قيل: "حريق في مبنى زها حديد"، إذ يُنسب الى مهندسته العراقية-البريطانية الراحلة، على عكس معظم المباني التي تظل اسماء مهندسيها شبه مغمورة أو غير معلنة.

وبحسب المتابعين لمسيرة زها حديد، "تعكس تصميماتها الهوية المتفردة لشخصيتها"، وتطلق عليها الصحافة مع نخب من المهندسين في العالم، لقب "النجم المعماري"، وزادت نجوميتها بكونها عربية عراقية أولاً، وثانياً كونها أنثى وسط مجال معظم محترفيه من الذكور. وقد ساعدتها رؤيتها الفنية المعاصرة وتخصصها في الهندسة والرياضيات في خلق بنايات انسيابية تعتمد على دمج الأشكال الهندسية ببعضها البعض، لتحقيق متعة بصرية ولقُبت بـ"ملكة المنحنيات".

لكن انتقادات عديدة طاولت زها، إما بسبب ضخامة التمويل المادي الذي تحتاجه مشروعاتها، أو بسبب ظروف البناء السيئة التي تحيط بتلك المشروعات، أو لكون منجزاتها "عديمة النفع" تقريبًا بحسب الكاتبة سحر الهاشمي. هذا عدا تحميل زها حديد عواقب المباني التي تصممها، فبعد حريق مبنى "آيشتي"، كتب سامر شحادة في فايسبوك مدونة عن "مبنى زها حديد" في العاصمة الاذربيجانية باكو، والمسمى "مركز حيدر علييف الثقافي". إذ يقال أن زها استوحت تصميمه من توقيع إلهام علييف... والمبنى، بحسب المدوّن، "عرّض زها لحملات عنيفة من منظمات حقوق الانسان والصحافة وأوساط الثقافة في أوروبا (وصلت لدرجة تشبيهها بصدام حسين) خصوصاً أن سجل آل علييف حافل في هذا المجال، ونسخته في "عبادة الفرد" متطرفة الى درجة إزالة حي من 250 وحدة سكنية شعبية لتأمين المساحة المثالية لمبنى زها حديد. والطريف في القصة أنه، في العام 2012، اشتعل السقف الخارجي للمبنى بطريقة تشبه حريق اليوم، وأوقف ثلاثة متعهدين أتراك كانوا قد وقعوا عقود صيانة المبنى وقاموا بأعمال قصّ وتلحيم في اليوم نفسه".
وما كتبه سامر، جزء من جدل قديم حول أعمال زها حديد، يبدأ باستلهام جسد المرأة، ولا ينتهي بعدم النفع والتوتاليتارية والفحش المالي والصيانة المكلفة والجمالية الصارخة، كأن العمارة وجدت لتخلد اسم مهندسها، إضافة إلى عدم ممانعة زها في العمل لصالح أنظمة استبدادية.

ولزها حديد في بيروت، تصاميم أخرى، غير المجمّع التجاري الذي احترق اليوم، والذي لطالما اعتبره البعض متغولاً في حجمه وبُنيته. فهي صمّمت أيضاً مقرّ "معهد عصام فارس" داخل الجامعة الأميركية في بيروت، وقد انقسمت الآراء بحدة حول هذا المبنى أيضاً. إذ ثمة من اعتبر أنه "وحش معماري" أضيف إلى حرم الجامعة، لا يراعي النسق المعماري التاريخي لمباني الجامعة ككل. كما أنه لا يفتح رواده اليوميين على مشهد البحر القريب، ولا على الخُضرة المتوافرة في الجامعة وباتت نادرة في بيروت. ولا يأخذ في الاعتبار نوع العمل الذي يمارَس داخل المعهد، والمفترض ألا ينحصر أناسه تحت نوافذ صغيرة ومرتفعة، بل أن ينفتحوا بشفافية ولطف على محيطهم الأكاديمي والطلابي، وهذه، في رأي هؤلاء، الوظيفة التي لا تقوم بها تلك الجدران الرمادية السميكة والبكماء.


(مبنى "معهد عصام فارس" داخل الجامعة الأميركية في بيروت)

وكتب العراقي معتصم الصالح: "الجدل الواسع الذي حظيت به أعمال الراحلة زها حديد دفعني إلى البحث عن سر استعمال رمزية الجنس في تصاميمها المعمارية بصورتها السافرة من خلال الأعمال التي نالها هذا الجدل الكبير، فقد ربط مستخدمو الإنترنت في الصين بين تصميمات مطار بكين، أكبر مطار في العالم، والذي صممته الراحلة زها حديد، وبين شكل المهبل التناسلي". وبحسب الصالح: "استخدمت زها المدرسة السوريالية التي تقوم اساساً على تصميم ما يتصوره المعماري من افكار خاصة غير ظاهرة للآخرين من حوله، او إن صح القول على ما يتصوره العقل الباطن للمعماري من أفكار ورغبات. أي من أفكار خيالية، وأحياناً واقعية، لكن يتم دمجها بالخيال، ورسمها في هيئة نتاج فني خالص. وقد تكون في معظمها صوراً مشوهة للواقع ومبالغاً فيها، وهذا يقودنا الى كون السوريالية انبثقت بفضل اطلاع الشاعر آندريه بريتون على أفكار الفيلسوف سيغموند فرويد، بين العقل والخيال، وبين الوعي واللاوعي، وأخذت منحى أدبياً وفنياً ومعمارياً، أي الجماليات بشكلها الأوسع".

لكن الجدل حول مباني زها حديد بلغ أحياناً المبالغات. إذ ثمة من اختصر "ستاد الوكرة" الذي صممته في قطَر، بأنه "فرج امرأة"، وردّت حديد آنذاك بأن ما قيل سخيف ومضحك، قائلة إن "الشكل المعماري مستوحى من القوارب التي كانت تستخدم في الصيد في منطقة الخليج، وخاصة صيد اللؤلؤ، أعتقد أنه في حال كان رجل هو صاحب التصميم ما كان لهذه الضجة أن تحدث". في حين وصف موقع "جيزيبل" النسوي التصميم بالقول:"أي شخص واع يدرك بسرعة أن البناء يشبه بالضبط فرجاً ضخماً". والجدير بالذكر أنه في العام 2011، وقف أحد رجال الدين السعوديين، المدعو الشيخ محمد الشرهاني، ضد خطط لمشروع مطار الملك عبد العزيز الجديد بالقرب من جدة، معتبراً أن هناك "مؤامرة غربية" لجعل البناء يشبه شكل جسد المرأة المنبطحة ويلوح فوقها برج يشبه القضيب.

والجدل في بيروت تجاوز مبنى زها حديد وهندسته "الغريبة" الى وقع الحرائق في الأسابيع الأخيرة، إذ باتت أسطوانة القص والتلحيم مكررة، وباتت أشبه بالسيارات المفخخة التي انتشرت في بيروت بعد 2005. لكن ثمة من وجد الوقت والطاقة ليشمت في احتراق "مبنى بشع"، لا سيما أنه في وسط بيروت والمنطقة التابعة لشركة "سوليدير".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024