البرجوازي يشتري كتاب ماري جو: الشارع في صالوني

روجيه عوطة

الجمعة 2020/02/07
يصيب الرفيقات والرفاق الذين اعترضوا على كتاب "القادة الصامتون"، لماري جو رعيدي، حين يشيرون إلى سعره المرتفع. فصحيح أنه، بهذا السعر، لا يسجل استثناءً عن قاعدة التسعير للكتب الفنية، أو ما يسمى كذلك، التي تصدرها دور النشر في بيروت، إلا أنه، وفي وضعه، يؤكد أمراً عبره.

فالكتاب يجمع أعمالاً، فوتوغرافية وغيرها، لعدد من الفنانين، الذين وضعوها عن 17 أكتوبر، أو خلالها. بالتالي، هو يريد، وبجمع هذه الأعمال في صفحاته -وباستغلالها كما أنبأت يارا بسيبس- أن يكون مساحةً مطبوعةً لتقديم هذا الحدث الثوري، أي أنه يحول إلى موضوع للعرض، إلى معروض. وهذا، فعلياً، ما يحمل على استفهام محدد: ماذا يعني عرض هذا الحدث؟ من الممكن القول أن هذا العرض يبغي أن يبينه، وبالتالي، يفترض أنه ليس بائناً، وعلى أساس هذا الافتراض، يتكون كرجاء لإبانته. على أن إبانته هذه، ولأن الحدث لا يزال واقعاً، تتحول إلى نقل لمجرياته، للحظاته، إلى إخبار عنه. ببساطة: الكتاب يريد أن يخبر عن الحدث كأنه لا خبر له.


طبعاً، افتراضه ذلك يحث على التساؤل عمن هو الذي، وفي لبنان، لا خبر لديه عن الحدث اياه، عمن بالنسبة اليه هو بلا خبر. السعر يبديه، إذ أنه القادر، وفي أثناء السطو المصرفي على اليد المودعة (أو صغار المودعين بحسم وصف بنكي لهم)، على دفع 120 دولار لشرائه، متصفحاً إياه. هذا "القادر" يدعى البرجوازي، التقليدي وغيره، الذي، وحين يبتاع الكتاب، يصل الحدث إليه كأنه معروض له.

لكن البرجوازي هذا، وبشرائه الكتاب، يشتري سلعتين: فبالطبع، هو على علم بالحدث، لذا، وحين يبتاعه، يشتري سلعة نكرانه لذلك، "ما كان معي خبر". وهذه السلعة، ينطلق منها، لكي يبلغ غيرها، وهي الخطاب الوصفي للحدث، "لنشوف شو عم بصير". هذا الخطاب لا ينفره، بل يرمي إلى جعله مستهلكه، ولهذا، يعمد إلى جذبه، مخبراً إياه أن الحدث مصنوع له، إلى أن الحدث حدثه:"هذه هي الثورة!".

بالتأكيد، لا خطاب في وسعه أن يحقق ذلك، سوى "المدني"، الذي يقدم له الحدث، لا كسيرورة إطاحة نظامه، النظام الذي لا يمثل غيره، بل ضد "الحكومة الفاسدة"، أو "السياسيين" إلخ. وعلى هذا النحو، يطمئن البرجوازي إلى أن الخبر، الذي تلقاه عما يدور، لا يبدل عيشه، فمن الممكن أن يتفرج عليه، أن يستهلكه كمتفرج، وكممثل حتى، بواسطة الخطاب إياه، قبل أن يقلع عن ذلك حين يشاء. وبذلك، قد يخلص إلى القول "يلي عم بصير حلو"، وخانة الـ"حلو" هذه تعني أن قلب الحدث إلى معروض قد تم، بحيث استقر تقييمه على أنه تحكيم جمالي.

من هنا، الكتاب، بما هو مطبوع فني، وبما هو فن، يحول الحدث إلى معروض للبرجوازي لكي يعينه على إنكار علمه به، وبهذا، يستهلكه، قبل وضعه كغرض في غرفة الضيوف: "أين الشارع؟ - في صالوني". على هذا المنوال، يودي الكتاب بِشاريه البرجوازي، إلى أن يستدخل الحدث جمالياً، فيحقق بغيته الأولية، وهي أن يتوقف. فعلياً، الكتاب، كتابه، وفنه على العموم، يعمد إلى إيهامه بأن هذا يحصل، كما لو أنه يخدره، كما لو أنه مخدره، الذي يستهلكه لكي يسيطر على الحدث، لكي يكون "قائده"، "الصامت"؟

في الحقيقة، طبقتنا البرجوازية اللبنانية ليست "صامتة" سوى لأنه لا شيء عندها لتقوله، "لتسرده". لهذا، غالباً تتأرجح بين العنف وانتحال المقولات والأفكار والأخبار والحكايات. ولهذا أيضاً، حين تجد حدثاً، والحدث كلام، لا تحتمله، فتسرع إلى محاولة إبطاله بـ"لا شيئها". هكذا، تنتحل الفن لكي يفعل ذلك. وهكذا، تصنع فنها. وهكذا، يغدو ضرورياً تذكر الشعار الذي رفعه سمعان خوام ذات مرة: "فن الثورة، ثورة على الفن".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024