"همسات": هل ينجح المسرح الإفتراضي؟

حسن الساحلي

الخميس 2020/11/12
تأثرت الفنون الآدائية بشكل عام، أكثر من أي نمط فني آخر خلال جائحة كورونا، ليس فقط بسبب اقفال المسارح ودور العرض، بل لصعوبة تقديم هذا النوع من الفنون بشكل افتراضي على الشاشة، لأن المشاهدة الحية تشكل عنصراً اساسيا فيها، لا يمكن التخلي عنها بسهولة.

طبعاً، الفنون كلها تضررت من إغلاق الفضاءات الثقافية، وخسرت الكثير مع غياب الجمهور، لكن الخسارة تبقى متفاوتة بين نمط فني وآخر. فالموسيقى يمكن سماعها في السيارة أو البيت، السينما من الممكن متابعتها عبر اللابتوب او شاشة منزلية، كما يمكن مشاهدة الصور عبر الهاتف او أخذ فكرة عن لوحة عبر الكومبيوتر وإن بنوعية متدنية. لكن هل يمكن صناعة مسرحية، يمكن الإستمتاع بها في المنزل من دون الاضطرار لتغيير هويتها والتعامل معها كأنها فيلم (اي استعمال تقنيات ومهارات غالباً غير متاحة عند المسرحيين مثل التعاقد مع مدير تصوير، استخدام منطق صوت مختلف والتعامل مع الاضاءة والديكور ليكونا مناسبين للكاميرا...).

وفق لينا أبيض، المخرجة والكاتبة المسرحية اللبنانية، التي قدمت عرضا افتراضياً تحت عنوان "همسات" منذ ايام: "مشاهدة عروض افتراضية افضل من عدم وجود عروض نهائياً... فالجمهور اشتاق للمسرح ويريد أن يشعر بالتجربة، حتى لو كانت منقوصة. يجب علينا ان نتفاعل مع الوضع الحالي، ونصنع شيئاً من لا شيء، كي لا ينسى الناس هذا الفن، فهناك اليوم جيل من التلاميذ الذي لم يعرف المسرح جيداً، وهو يرغب في ذلك، مثله مثل جمهور المسرح المتشوق للمشاهدة بأي طريقة حتى لو كانت افتراضية".

هذا ما أثبته العمل الذي قدّم ليوم واحد فقط عبر "يوتيوب" (إنتاج جوزيان بولس وأغاثا عزالدين) بمشاركة مجموعة من أبرز الممثلين اللبنانيين الذين قدموا خدماتهم مجاناً: "كانت ردود أفعال الجمهور ايجابية بشكل كبير، وكثيرون قدموا التبرعات وطالبوا بعروض اخرى. رغم الأزمة الإقتصادية، تذكر الناس انهم لا يحتاجون فقط إلى الطعام والماء من اجل العيش، بل ايضا لهكذا تجارب تساعدهم على الإستمرار، حتى لو انها لا تستطيع تعويض وجودنا سويا في الصالة نفسها".


استعان منظمو المشروع بالمخرجة فرح شيا، التي قدمت خدماتها مجاناً من اجل نقل العرض إلى الشاشة (جميع العاملين قدموا خدماتهم مجاناً): "قبل شهر من العرض قمنا بمجموعة تجارب لمعرفة كيفية وضع الكاميرات ومواقعها. أردنا أن يشعر الجمهور كأنه موجود مكان المتفرج في الصالة (صالة مسرح "بلاك بوكس" الذي تعرض أيضاً لبعض الأضرار بسبب إنفجار المرفأ)، لذلك وضعنا ثلاث كاميرات لتكون في مستوى المشاهد (إلى اليمين، الوسط واليسار) وصرنا ننتقل بينها خلال العرض. لذلك، الأشخاص الذين شاهدوا العمل لم يشعروا أنهم يشاهدون فيلماً، بل شعورا أنهم موجودون معنا على المسرح. ينطبق هذا أيضاً على لبنانيين موجودين في الاغتراب، لا تتاح لهم مشاهدة المسرح اللبناني لكنهم شعروا كأنهم زاروا بيروت لساعات قليلة قبل العودة مجدداً الى بلادهم".

لكن هل يمكن تعميم هذه التجربة، لتكون نموذجاً يمكن تكراره عند انتهاء كورونا؟

تقول أبيض إنها مهمة صعبة، خصوصاً في بلد مثل لبنان لأن هذه العروض تحتاج إلى امكانات انتاجية كبيرة، غالباً غير موجودة لدى المسرحيين: "هذه المرة قدم الجميع خدماتهم مجاناً لأن العرض مخصص للتبرع من اجل المسرح اللبناني، لكن كيف يمكن تأمين ثلاث او اربع كاميرات كل مرة؟ وشخص يهتم بالصوت والمونتاج وغيرها من الأمور التقنية ذات الكلفة العالية؟"

استند نص المسرحية، التي قسمت إلى ستة أجزاء، على مواد كتبها ستة مسرحيين إنكليز، أرادوا التضامن مع المسرح اللبناني الذي تعرض لأضرار كبيرة: "النصوص التي قدمها الكتّاب ليست مناسبة فعلياً للحظة التي نعيشها، لذلك جعلنا العمل أكثر محلية وباللهجة اللبنانية، حيث أدخل كل ممثل شيئاً من نفسه أو من حياته، إلى الشخصية التي يقدمها، وقررنا أن نجعل الأحداث تحصل قبل الإنفجار بوقت قصير، لأني ما زلت أشعر أنه من المبكر معالجة الموضوع، وأشعر أني لم أفهم بعد ما حصل. لذلك قررنا أن نركز على هذا التدهور الذي كنا نعيشه في مرحلة ما قبل الإنفجار، وجعلنا المسرحية تنتهي الساعة السادسة وخمس دقائق، حين تنتبه الشخصيات للحريق الموجود في المرفأ. ساعدَنا وجود أهم الممثلين اللبنانيين في المسرحية، الذين قدموا الكثير من عندهم، ولم يكن ينقص سوى جوليا قصار وعايدة صبرا ورفيق علي أحمد لتكتمل هذه المجموعة المثالية".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024